تمتد التجربة الفنية للمصور العراقي لطيف العاني لأكثر من ثلاثة عقود، وتشكّل خمسينات القرن الماضي منطلقها وسبعيناته مستقرها، موثقاً بعدسته تفاصيل الحياة اليومية في العراق عبر مهماته العملية وتجاربه الحياتية وليمضي أيضاً في توثيق رحلاته إلى دول أخرى مكوناً بذلك أرشيفاً استثنائياً شكّل سردية بصرية للعراق وإشراقاته وتجلياته في تلك الفترة، وعلى أصعدة عدة. ويأتي معرضه الفوتوغرافي «عبر العدسة 1979– 1953» الذي نظمته «مؤسسة الشارقة للفنون» (يختتم في 16 تموز/ يوليو المقبل) المكون من 70 صورة بمثابة عرض استثنائي استعادي لعراق الخمسينات والستينات والسبعينات اجتماعياً وديموغرافياً وعرقياً، ورصداً لبيئات العراق المتعددة، ومناخاته وعوامله وأحوال الناس الاقتصادية والاجتماعية المتصلة بأبعاد تاريخية ومعرفية متعلقة بالفترة التي يوثقها. عن استضافة المعرض، قالت حور بنت سلطان القاسمي رئيس مؤسسة الشارقة للفنون: «تمثّل صور لطيف العاني حقبة فريدة من تاريخ العراق تكشف التغيرات الدراماتيكية التي حدثت خلال هذه الفترة القصيرة الحافلة بالأحداث». وأضافت: «بفضل توثيق الفنان لما يحيط به، وتفانيه في أرشفة أعماله، أصبحنا اليوم قادرين على مشاركة هذا التاريخ البصري المهم». وتعد صورته التي التقطها لامرأة تحمل حزمة من القمح من أكثر صور العاني نسخاً وانتشاراً على نطاق واسع، وتم لاحقاً نقشها على عملة عراقية بقيمة 25 ألف دينار. وتعكس صور العاني، خلال عمله في وزارة الثقافة العراقية ووكالة الأنباء العراقية، الروح القومية الصاعد في فترة الستينات، من خلال تصويره مشاهد الحياة اليومية، من تجمعات، واستعراضات عسكرية، وأحداث سياسية. وقد تنوّعت المواضيع التي لفتت انتباه العاني، بدءاً من صور الأصدقاء والعائلة، وصولاً إلى المناظر الطبيعية، والطبيعة الصامتة. ووثق أيضاً انطباعاته عن الأماكن التي زارها خلال رحلاته إلى ألمانيا والولايات المتحدة. ويتسم عمل العاني بالغزارة بقدر تنوع اتجاهات الحداثة المشغولة بالجمال، والفن، فضلاً عن الاقتصاد، والمجتمع، والسياسة. حياة لطيف العاني المهنية كمصور، وبعد ذلك كمصور متقاعد، ورصيد أعماله الكبير، تسير بتوازٍ ثابت مع محنة العراق وشعبه. لقد بات يحظى هو وأرشيفه بمكانة استثنائية، فهو الموثق لفترة العراق الذهبية، وهو يخطو إلى الحداثة كما كانت عليه بلدان أخرى.