تبدو عبارة «أعطني بريال»، التي اعتاد المواطنون والمقيمون في السعودية استخدامها أثناء التسوق من البقالات أو محال الوجبات الخفيفة، في طريقها إلى الانقراض بسبب انخفاض القيمة الشرائية للريال السعودي، بعد أن كان المستهلك قبل سنوات قليلة قادراً على استخدام الريال لشراء قائمة طويلة من الأغذية مثل الجبنة البيضاء أو الزيتون أو المشروبات الغازية أو الحليب أو قطع البسكويت الفاخر. تبدل الحال في كثير من المدن السعودية، وبات الفوال في مدينة الرياض مثلاً لا يبيع الفول إلا بريالين في الحد الأدنى، ولم يعد الريال قادراً سوى على شراء أنواع رديئة من البسكويت والحلوى. المواطن غازي محمد لم يعد باستطاعته أن يشتري بريال واحد سوى «التميس» والخبز وعلبة المياه أو اللبن الصغيرة، ويتحسر على أيام خلت كان الريال «يؤكل عيش» على حد تعبيره. لكن بائع الفول سعيد الغامدي لديه ما يبرر رفع سعر الفول: «في السابق كنا نعطي الزبون بريال فول، ولكن الآن مصاريف المحل ارتفعت، ولا اقصد قيمة الفول، ولكن إيجار المحل تضاعف في بعض الأحياء إلى الضعفين». واعتبر أستاذ الاقتصاد في جامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية الدكتور عبدالرحمن السلطان، أن هذا التراجع في القوة الشرائية للريال محصلة طبيعية للضغوط التضخمية وانخفاض معدل صرف الريال المرتبط بالدولار أمام العملات الأخرى، مضيفاً ل«الحياة» أن حاجات المستهلك السعودي تعتمد بشكل كبير على الواردات من الخارج. ولفت إلى أن الإنفاق الحكومي في السعودية الذي يزيد سنويا بنحو 20 في المئة، يتحمل جزءاً من هذا التراجع في قيمة الريال، إذ إنه يزيد الطلب على السلع ويدفع الأسعار للارتفاع حتى من دون وجود تضخم أو ارتباط للريال بالدولار. وهو رأي أيده فيه أستاذ الاقتصاد في معهد الدراسات الديبلوماسية الدكتور محمد القحطاني، الذي أكد ل»الحياة» أن ارتفاع الأسعار له أسباب خارجية تتعلق بارتفاع سعر السلع وتغير سعر الصرف، وأخرى داخلية وصفها القحطاني بالخطرة، وأهمها ضعف كفاءة آليات السوق السعودي وغياب الأنظمة التي تحول دون وجود الاحتكارات، إذ إن كثيراً من السلع لا تتغير بشكل تلقائي، أو مصادفة بل بعد اجتماع مجموعة من التجار واتفاقهم على رفع السعر، وهذا يتنافى مع كون السوق السعودية سوقاً حرة. ولم يهمل أهمية زيادة الإنفاق الحكومي في تراجع قيمة الريال لا سيما أن سبب زيادة الطلب على السلع وعلى العقار وزيادة متوقعة في أسعار السلع، لافتاً إلى أن زيادة رواتب المواطنين وإن كانت طفيفة، صاحبها زيادة غير مبررة من التجار في ظل غياب آليات السوق «لأن التاجر يعرف أنه لن يحاسب». ولا يلوح في الأفق أن قيمة الريال ستعود إلى سابق عهدها مستقبلاً، لأن الممكن والمأمول أن تتوقف الأسعار عن الارتفاع وليس أن تعود إلى سابق عهدها بحسب ما أكد السلطان والقحطاني اللذان شددا على ضرورة وجود تهدئة للطلب الاقتصادي وإعادة هيكلة آليات السوق تنظيمياً وتنفيذياً، ما يعني أن عبارة «اعطني بريال فول.. أو جبنة»، رحلت من حياة المستهلك في السعودية دون رجعة.