تواصلت أمس مساعي قادة الجماهير العربية ورؤساء الطائفتين المسيحية والدرزية في إسرائيل لوضع حد لأحداث العنف التي تشهدها منذ أيام مدينة شفاعمرو في الجليل والتي اتخذت طابعاً طائفياً بين الدروز والمسيحيين. وكان ليل الثلثاء - الأربعاء شهد اعتداءات وتحطيم وحرق سيارات خاصة ومنازل ومحال تجارية تعود ملكيتها لمسيحيين من المدينة يقطنون في أحياء مختلطة من الطوائف الثلاث. وبدأت أحداث العنف مساء السبت بشجار بسيط بين فتيان من الطائفتين سرعان ما تحول إلى شجار عمومي بين المئات من الجانبين استخدمت خلاله السكاكين والهراوات والرصاص الحي، ما أدى إلى إصابة العشرات نقل تسعة منهم إلى المستشفى لتلقي العلاج، حتى تدخلت قوات كبيرة من الشرطة و «الوحدات الخاصة» التابعة لها، ثم انتشرت في أحياء مختلفة ومكثت يومين، لكن الأجواء بقيت مشحونة. وتجددت أحداث العنف مساء الثلثاء بعد أن نشر «مجهول» صوراً على شبكة الانترنت أساءت إلى الزعيم الروحي السابق للطائفة الدرزية الشيخ أمين طريف وإلى فتيات درزيات. واحتشد المئات من الشباب الدروز يحملون الأسلحة مهددين بالتوجه إلى الأحياء المسيحية، فتصدى لهم المئات من أفراد الشرطة والوحدات الخاصة بحضور قائد منطقة الجليل، وحصلت اشتباكات بينهم. وأعلنت الشرطة إصابة اثنين من أفرادها بجروح طفيفة بالرصاص الحي من أسلحة أطلقها شباب دروز تعود ملكيتها للجيش الإسرائيلي حملوها معهم مع إنهائهم خدمتهم العسكرية الإلزامية. وفي حي آخر، لم تتدخل الشرطة لمنع تعرض منازل مسيحيين ومطاعم وصيدلية إلى التحطيم والحرق، رغم أن أفرادها كانوا على مسافة أمتار قليلة، بداعي أن مهمتهم هي حماية الكنائس القريبة من موقع الاعتداء. وسادت أجواء من الهدوء المشحون بالتوتر المدينة نهار أمس، وأغلقت معظم المحال التجارية في الأحياء المسيحية أبوابها احتجاجاً على الاعتداءات وعجز الشرطة عن وقفها، ووسط مخاوف من تجددها مع حلول الظلام. ونشطت شخصيات اعتبارية قطرية ومحلية من أجل تطويق الأحداث وعقدت اجتماعات بين المسؤولين من الطوائف المختلفة وقادة الأحزاب الوطنية الذين أكدوا أهمية الحفاظ على النسيج الاجتماعي. وقال رئيس الجبهة الديموقراطية ابن مدينة شفاعمرو محمد بركة ل «الحياة» إن «ما حصل هو فتنة الرابح منها هو الذي يحركها». وأضاف: «لسنا بصدد خلاف طائفي أو أهلي إنما بين شباب، وهناك من استثمره لإشعال الفتنة في خدمة أوساط لا علاقة بشعبنا وبمجتمعنا». وزاد أن تحقيقات الشرطة قادت إلى أن الشخص الذي نشر الصور المسيئة لرجال الدين الدروز والفتيات الدرزيات هو من خارج مدينة شفاعمرو، ما يؤكد وجود ايادٍ خبيثة تعبث بمصير شفاعمرو وبمصير شعبنا». وأشار إلى أن هناك تأكيدات بأن العشرات من الشباب الذين شاركوا في الاعتداءات هم من خارج شفاعمرو «الذين لم يترددوا في التطاول على القيادة الروحية الدرزية التي حضرت الى شفاعمرو في محاولة لاحتواء الأحداث». وأكد أن قيادات شفاعمرو «لن تسمح بأن ترفع يد على وحدة شفاعمرو وشعبنا، وسنعرف كيف نعيد اللحمة ونقطع الطريق على من يصطاد في المياه العكرة». وأبرقت النائب في الكنيست من «التجمع الوطني الديموقراطي» حنين زعبي إلى القائد العام للشرطة تطالبه فيها ب «الكف عن السلبية التي تنتهجها الشرطة تجاه أحداث العنف في قرانا وبلداتنا العربية وآخرها في شفاعمرو والوقوف موقف المتفرج رغم حضورها الكبير، أمام اعتداءات وحرق سيارات وإطلاق رصاص حي». وأشارت في بيان أصدرته إلى أن «مصيبة شفاعمرو هي أنها مصابة بظاهرة وجود مجندين في الجيش يحملون السلاح ويفهمون من خدمتهم في الجيش الإسرائيلي حرية الاعتداء على أبناء شعبهم سواء في الضفة الغربيةالمحتلة أو في بلداتهم، ضد جيرانهم وزملائهم». وختمت قائلة: «إن المستهدف في هذه الموجة من العنف هو مدينة شفاعمرو وثقافة مجتمع ومستقبل أولادنا، وعلى هذا الأساس يجب أن يكون رد فعلنا قيادة وشعبا». من جهته، استنكر رئيس المجلس الديني الدرزي في إسرائيل الشيخ موفق طريف أعمال العنف والشغب التي شهدتها شفاعمرو اخيرا، لكنه أشار إلى أن «غليان الطائفة الدرزية في شفاعمرو ليل أول من أمس نجم عن نشر صور مسيئة لشخصيات دينية درزية ولفتيات درزيات على أجساد فتيات عارية، وهو ما أثار الغضب الكبير وأدى الى احتقان الأجواء». وأعلن لاحقاً أن الشرطة أبلغته أن ناشر الصور ليس من شفاعمرو. من جهته، اعتبر مطران الروم الكاثوليك في الجليل الياس شقور تعرض أبناء طائفته إلى اعتداءات ب «المحزنة جدا»، وقال لموقع «العرب»: «حاولنا تحسين العلاقات بيننا وبين الدروز، واتفقنا مع رؤساء الطائفة على عدد من الأمور، لكن كما يبدو فإن الاتفاق مع المشايخ الدروز شيء، والشباب الدروز شيء آخر». وعنى المطران في كلامه التفاهمات التي تمت مع أركان الطائفة الدرزية قبل سنوات بعد تعرض مسيحيين في قرى عربية مختلطة إلى اعتداءات مماثلة كانت أبرزها أحداث قرية المغار عام 2005 التي أدت إلى مغادرة عائلات مسيحية كثيرة القرية.