تدخلت وزارة التجارة سريعاً، بعد الحملة الشعبية التي اتفق عليها الغالبية العظمى من المستهلكين ضد بعض شركات الألبان، وتواصلت في مواقع الشبكة العنكبوتية ومواقع التواصل الاجتماعي، واضطرت «التجارة» إلى إخضاع شركات الألبان الطازجة لأحكام التموين، ولوحت بعقوبات صارمة للشركات التي تمتنع عن البيع بالأسعار المحددة. أعقب ذلك استجابة من تلك الشركات، إذ أعادت الأسعار إلى ما كانت عليه قبل الزيادة الأخيرة، ولكن التوقع أن المستهلكين تعلموا الدرس جيداً، ويبدو أن عامل الثقة لن يعود سريعاً بينهم وبين تلك الشركات. لكن دعونا من شركات الألبان، ولنأخذ الأمر في شكل أوسع، فقد كشفت هذه المقاطعة والتدخل السريع أن وزارة التجارة قادرة على السيطرة على الأسعار إذا أرادت ذلك ولا ينقصها شيء. لائحة عقوبات، أحكام تموين، موظفين، مراقبين وأنظمة، فلماذا لم تتحرك عندما ارتفعت أسعار السلع الأخرى من سيارات ومواد بناء ومأكولات ومشروبات؟ أين كانت أحكام التموين طوال السنوات الثلاث التي مضت؟ وهل كان تدخل الوزارة حماية للمستهلك، أم كان حماية للشركات التي رفعت الأسعار أخيراً؟ لنكن واقعيين، فدعوات المقاطعة كانت شديدة والحملة كانت مركزة، والكثير شاهد منتجات الشركات التي رفعت الأسعار تتكدس في الأسواق والبقالات، والاعتقاد أن تدخّل وزارة التجارة هو خط رجعة أو إنقاذ لتلك الشركات، يظل احتمالاً مقنعاً، فهو أفضل بكثير من قلة المبيعات فيما لو استمرت تلك الشركات في الأسعار الجديدة، وأفضل أيضاً من أن تستجيب الشركة وتتراجع تحت ضغط دعوات المقاطعة. باختصار أن تقول الشركة أنها استجابت لأوامر وزارة التجارة، خير من أن تقول أنها تراجعت لأنها لاحظت قلة في المبيعات أو إذعاناً لضغوط الحملة المركزة. ثم إن الاستجابة لأوامر وزارة التجارة والعمل على إقناع المسؤولين بمبررات الزيادة، ربما يشجعها على مطالبة الدولة بزيادة الإعانات، وأظن أن هذا ما تسعى وراءه الكثير من الشركات سواءً في قطاع الألبان أو أي قطاع آخر. لقد ابتلي المستهلكون بشركات تستفيد من مبالغ الدولة طوال سنوات، ومع ذلك لم تساهم في أي نشاط اجتماعي، بل إن بعضها تخلو مكاتبها من موظف سعودي واحد، اللهم إلا إذا كان مراسلاً أو حارس أمن أو موظفاً صغيراً يعمل لأشهر معدودة، والأدهى من ذلك أنها تستغل حاجات المواطن ولا تراعي ظروفه وحاجاته، فهي تستغل دعم الدولة وعينها على جيوب المواطن. هناك إيجابيات وسلبيات كثيرة، ولكن أظن أن أكبر السلبيات على الشركات التي رفعت الأسعار أنها خسرت الكثير من عملائها، وما بنته في سنوات خسرته في أيام، بسبب سوء التخطيط وعدم دراسة الأمور على أرض الواقع.