يزور السائح في باريس، برج أيفل وقوس النصر والحي اللاتيني وجادة الشانزيليزيه، وسائر المواقع التقليدية. لكن تبقى زيارة من نوع خاص تتم في السهرة، ويقبل عليها السياح بعد أن يبدلوا ثيابهم العادية، فترتدي النساء فساتين السهرة، ويتأنق الرجال ببدلات «السموكنغ» وربطات العنق. هي زيارة نادي ليدو - باريس، أفخم الأماكن الليلية في عاصمة النور المعروف برُقي ديكوره المميز، وحسن استقباله ضيوفه، ووجبات العشاء الفاخرة، والأهم العرض الراقص الذي يمتد لساعتين كاملتين ينبهر خلالهما المتفرج بمساحة المسرح وديكوراته وأكسسواراته، إلى جانب العدد الهائل من الفنانات والفنانين المشاركين في العرض، ناهيك بأزيائهم الأخاذة المشغولة باليد والمزينة بالريش والجذابة في شكل يفوق التصور. والعنصر الأكثر جاذبية في العرض بالنسبة إلى جمهور ليدو باريس، فوق جادة الشانزليزيه، هو فرقة «بلوبيل غيرلز» التي أسستها مديرة مدرسة للباليه كانت تدعى «ميس بلوبيل» وصارت علامة مميزة، بل أيقونة يلتصق اسمها بالليدو، فضلاً عن سواه من النوادي المماثلة في أنحاء العالم. ويحتفل ليدو-باريس، هذه السنة، بمرور مئة سنة على ميلاد مارغريت كيلي التي تحولت في ما بعد إلى «ميس بلوبيل»، مقدماً استعراضاً عنوانه «بونور» أي «سعادة»، وهو يتفوق من حيث الفخامة على كل ما سبق إنجازه في هذا الميدان. فعلى سبيل المثال، يشارك في الاستعراض ما لا يقل عن 70 فناناً يغنون ويرقصون ويؤدون الفقرات البهلوانية المرحة، وسط 23 قطعة مختلفة من الديكور، ويرتدون 600 قطعة من الأكسسوارات والملابس المختلفة، الأمر الذي يدل على ثراء العرض ونوعيته المتفوقة. وتنحدر من أعلى خشبة المسرح إلى أسفلها شلالات المياه (60 ألف ليتر)، وتحلق فوق رؤوس المتفرجين طائرة مروحية حقيقية، وتقدم الحيوانات المفترسة ألعاباً على غرار السيرك، وتنشق الأرض لتنفث ناراً ودخاناً مثل البركان. ويسبق الاستعراض عرض فيديو كليب يروي بالصور المتحركة تاريخ المكان، خصوصاً منذ انضمت إليه ميس بلوبيل، عام 1948، مؤسِّسةً فرقة «بلوبيل غيرلز» أي «فتيات بلوبيل». كما يقدم الفيديو كليب كل الشخصيات المرموقة، من فنانين ورؤوس متوّجة وسياسيين، التي حضرت عروض ليدو-باريس خلال تاريخه الطويل وأتت إليه من أركان العالم الأربعة. ويضم العرض الخاص، في سهرات محددة، فئة من فنانات «بلو بيل غيرلز» اللواتي شاركن في عروض الفرقة في فترات زمنية مختلفة، وقد استقدمهن ليدو-باريس من أستراليا والولايات المتحدة وبلدان أوروبية، من أجل تقديم وصلة صغيرة وتعريف الحضور بهن، تكريماً ل «ميس بلوبيل» التي سمحت لهن بالانضمام إلى فرقتها، علماً أن عملية الانضمام كانت في غاية الصعوبة وبمثابة تصفية يتم فيها اختبار 500 فنانة قبل قبول خمس فتيات فقط. ويبلغ عدد الفنانات في الفرقة الآن 42 فتاة، بين الثامنة عشرة والخامسة والعشرين من العمر، يقدمن الاستعراض على مسرح مساحته 7500 متر مربع وطوله يوازي مبنى من ستّ طبقات. وحازت إدارة ليدو-باريس حق استغلال الاسم في عام 2000، حينما بلغت «ميس بلوبيل» سن التقاعد بل فاقته بسنوات كثيرة، ثم توفيت عام 2004 عن عمر ناهز الثالثة والتسعين. وبين الفنانين العالميين الذين وقفوا فوق خشبة ليدو-باريس عبر الأعوام، مقدمين وصلة غنائية أو تمثيلية، الثنائي الأميركي الضاحك لوريل وهاردي وفرانك سيناترا وإلتون جون ولايزا مينيللي وشيرلي ماكلين. ويتباهى ليدو-باريس بتقديم عرض للصغار، مرة واحدة في السنة، يوم رأس السنة، وذلك منذ 15 سنة وبنجاح كبير إلى درجة أن التذاكر كلها تباع بعد يوم واحد من فتح شباك الحجز أي في تشرين الأول (أكتوبر).