منذ أن وصلت مدينة أورلاندو ووجه كيسي انتوني يلاحقني في كل قناة أميركية، شابة في العشرينات تواجه تهمة قتل من الدرجة الأولى لكنها تنجو منها بفعل فريق محامين جعلوا من قضيتها الأشهر بعد محاكمة نجم كرة القدم الأميركية الأسبق أوجيه سيمبسون. في البداية أعتقدت أنها واحدة من جرائم القتل العادية حتى سألتني المحاسبة في السوبرماركت إن كنت قد عرفت أن كيسي قد حصلت على البراءة، ثم قالت ساخرة: هذه هي أميركا، لا يعاقبنا القانون إذا ما قتلنا أطفالنا. فعرفت أنني أمام قصة مختلفة، قضية كيسي حظيت بمشاهدة نصف الأميركيين بحسب إحصاءات مؤسسة غلوب، كما أشار الاستطلاع إلى أن ثلثي الأميركيين (62 في المئة ممن شملهم الاستطلاع وعدهم 1010) متأكدون أو يقدرون أن كيسي هي قاتلة ابنتها كيلي وعمرها سنتان. حنق الأمهات يلاحق الأم العزباء كيسي، ويدينها ثلثا الأميركيين، إذاً لماذا برأتها لجنة المحلفين؟ الجدّة هي مَن اكتشف غياب الطفلة كيلي بعد أيام طويلة من دون أن تبلغ الأم عن غيابها، وقد وجدت الشرطة جثتها لاحقاً، لكن الجثة لم تكن في حال تسمح بمعرفة سبب الوفاة. الأم ادعت بأن الطفلة قد غرقت، ونظراً لظروف نفسية كانت تعيشها فإنها خافت من مواجهة الأمر، فدفنتها. وما أثار حنق الرأي العام أن الأم ذهبت تحضر الحفلات بعد اختفاء ابنتها بدم بارد. لماذا إذاً برّأت المحكمة الشابة كيسي؟ الجواب لأنهم لم يجدوا من الأدلة الكافية ما يدينها، لهذا اكتفوا بتجريمها بأربع تهم مثل إخفاء الأدلة وتصعيب عمل التحقيق، وسجنت لذلك أربع سنوات. لكن الرأي العام ظل حانقاً على الأم التي تسببت في مقتل صغيرتها، فقاموا بجمع عريضة وقع عليها خلال يومين 430 ألفاً أسفرت عن تشريع سمي «قانون كيلي» يجرم كل والد وراعي طفل لا يبلغ عن غياب طفله خلال 24 ساعة. أشاهد هذه القضية بالتزامن مع ما أقرأ في صحفنا عن بشاعة جريمة طفل الطائف الذي تعرض لتعذيب وحشي قبل قتله. لا شك أنه ليس الأول، وقبل ذلك قصص لطفلات تعرضن للضرب والكيّ حتى الموت. هذه القضايا نشرت أمام الرأي العام. فعن ماذا أسفرت؟ وهل ذهبت أرواحهم مجاناً؟ بعض الأطفال من ضحايا العنف. كبروا في صمت، ومن خرجت قضاياهم للعلن لم يحرز ظهورها تدخلاً أو حماية منظمة. في المدارس لا يعرف الطفل أنه تحت حماية حكومية تكفل سلامته البدنية والنفسية. ومؤسسات حماية الطفولة لا تصل فعاليتها للبيوت والمدارس والإعلام، كما أن التبليغ عن التعرض للعنف ليس ضمن أبجديات الوعي المجتمعي، ونبذ العنف ليس ضمن ثقافتنا. طفل الطائف (وكل ضحايا العنف من الأطفال) كان في الإمكان حمايته لو أنه وجد من يثق به ويلجأ إليه، ولو وجدت منظمات حماية الإنسان فعالية أكبر لما ضاع هؤلاء. [email protected]