استبقت السلطات المصرية تظاهرات ينوي ناشطون القيام بها اليوم وتحويلها إلى اعتصام، بإحالة رئيسي غرفتي البرلمان السابقين فتحي سرور وصفوت الشريف مع 23 من الوزراء والنواب السابقين ورجال الأعمال على محكمة الجنايات بتهمة «التورط في قتل المتظاهرين والشروع في قتلهم» في الأحداث التي عرفت ب «موقعة الجمل». ويأتي ذلك فيما يستعد ميدان التحرير في القاهرة ومحافظات أخرى لاستقبال تظاهرات حاشدة للمطالبة بسرعة محاكمة المتورطين في جرائم قتل المتظاهرين وتطهير وزارة الداخلية والحكومة من المحسوبين على النظام السابق، تحت شعار «جمعه الإصرار». ووقعت أمس اشتباكات في ميدان التحرير بين ناشطين أعلنوا الاعتصام ومجموعة من البلطجية، ما أدى إلى سقوط جرحى. واتخذت الحكومة إجراءات في محاولة لتخفيف الغضب العام تجاه سياساتها، فأمرت هيئة التحقيق القضائية أمس بإحالة 25 متهماً في أحداث الاعتداء على المتظاهرين يومي 2 و3 شباط (فبراير) الماضي، على محكمة جنايات القاهرة. ووجهت إليهم اتهامات ب «قتل المتظاهرين والشروع في قتلهم وإحداث عاهات مستديمة بهم والاعتداء عليهم بالضرب». ويتقدم المحالين على المحاكمة في القضية رئيسا مجلسي البرلمان والأمين العام للحزب الوطني المنحل في القاهرة محمد الغمراوي ووزيرة القوى العاملة عائشة عبدالهادي ورئيس «اتحاد عمال مصر» حسين مجاور، إلى جانب مجموعة من كبار رجال الأعمال المنتمين إلى «الوطني» أبرزهم إبراهيم كامل ومحمد أبو العينين، وعدد من النواب. ومن المنتظر أن تحدد محكمة استئناف القاهرة موعد المحاكمة والدائرة التي ستباشرها. وتضمن قرار الاتهام أن المحالين «وهم من أركان النظام السابق بحكم مواقعهم في الحزب الحاكم أو السلطتين التشريعية والتنفيذية أراد فريق منهم (عقب خطاب الرئيس المخلوع حسني مبارك في أول شباط (فبراير) الماضي) الدفاع عن بقاء مبارك في السلطة، فيما أراد الفريق الثاني تقديم قرابين الولاء والطاعة حتى يستمروا تحت عباءة ورضا النظام السابق، فتلاقت إرادة الفريقين من المتهمين واتحدت نيتهم من خلال اتصالات هاتفية جرت بينهم على إرهاب وإيذاء المتظاهرين في ميدان التحرير، فقاموا بتكوين عصابات إجرامية وأداروا جماعات إرهابية مسلحين بأسلحة نارية وبيضاء، واشتركوا في قتل المتظاهرين». وأضاف القرار أن المتهمين «شكلوا جماعات من الخارجين على القانون جلبوهم من دوائرهم الانتخابية ومن أماكن أخرى، وأمدوهم بالأموال والأسلحة، ووعدوا فريقاً منهم بفرص عمل، ووفروا لهم وسائل الانتقال، واتفقوا معهم وحرضوهم على الاعتداء على المتظاهرين سلمياً، واصفين المتظاهرين السلميين بالتحرير بالعملاء والخونة والمرتزقة، فاندفعت تلك العصابات والجماعات صوب ميدان التحرير واقتحموه على المتظاهرين، ممتطين الجمال والخيول والبغال، ومتسلحين بالأسلحة البيضاء والعصي والزجاجات». وكشف وزيرُ الداخلية اللواء منصور العيسوي أن وزارته سُتجري حركة تعديلات هي الأكبر من نوعها في تاريخ الوزارة وستتضمن إحالة المئات على التقاعد من كبار المسؤولين الأمنيين والضباط المشتبه في تورطهم في قمع التظاهرات. وقال في تصريحات نقلتها «وكالة أنباء الشرق الأوسط» الرسمية إن التعديلات ستعلن الخميس المقبل. لكن تلك الإجراءات لم تشفع للحكومة لدى الداعين إلى التظاهرات. ورحبت قوى شبابية بالخطوات، لكنها رفضت «التعامل بالقطعة مع مطالب الثورة». وأكد الناطق باسم «ائتلاف شباب الثورة» خالد السيد ل «الحياة» أن «القرار لن يؤثر في قرارنا النزول إلى الميادين المصرية»، معتبراً أن تظاهرات اليوم «مفصلية في تاريخ الثورة، ولن نقبل التعامل بالقطعة». وشدد على أن «مثل هذه القرارات لن تؤثر في المشاركة والحشد، بل على العكس نحن مصرون على التظاهر والاعتصام حتى تلبى مطالبنا كلها، وفي مقدمها الإسراع في محاكمة أركان النظام السابق مع علانية الجلسات وتطهير وزارة الداخلية من الفاسدين». وعلى النهج نفسه، سارت «حركة شباب 6 أبريل»، و «الجمعية الوطنية للتغيير» وقوى سياسية أخرى. وكانت الحكومة الانتقالية دعت في بيان مساء أول من أمس القوى السياسية المشاركة في التظاهرات إلى «المحافظة على النهج السلمي والحضاري». وأكدت «تأييدها وحمايتها لحق التظاهر السلمي»، داعية إلى «التحسب لمحاولة بعض القوى المناهضة للثورة خلق حالة من الفوضى والاضطراب للإساءة إلى الجماهير في الميدان وإلى مصر وثورتها التي ضحى شهداؤنا ومصابونا من أجلها ونالت احترام وتقدير العالم». واعتبرت أن «الوطن بات مستهدفاً كذلك من قوى خارجية متربصة لإفشال تجربته الديموقراطية وإبعاد الثورة عن تحقيق أهدافها». وأكدت «وقوف الحكومة مع المطالب المشروعة للقوى الوطنية»، وتعهدت تحقيقها «بكل الوسائل الممكنة مع الحرص على استمرار الحوار مع القوى الوطنية كافة». ودافع البيان عن سياسات الحكومة. وتعهد «الاستمرار في اقتلاع جذور الفساد، والرفض القاطع للتصالح مع من أراق دماء الشهداء وزيف إرادة الشعب وأفسد حياتنا السياسية، وسنستمر في تطهير مؤسسات الدولة كافة وأجهزتها استجابة لمطالب الشعب ووضع منظومة أمنية قوية حامية للثورة ومنحازة لها واعتبار قضية الأمن قضية جوهرية ذات أولوية وضرورة الحوار الفعال مع القوى الوطنية حول القرارات المصيرية». من جهة أخرى، أبدى المجلس العسكري الذي يدير شؤون البلاد ترحيبه بتوافق قوى سياسية على «مبادئ حاكمة» للجنة التأسيسية التي ستضع الدستور الجديد للبلاد، وتعهد ضمان تمثيل كل القوى السياسية في تلك اللجنة التي سيختارها البرلمان الجديد. وكشف نائب رئيس المجلس رئيس أركان الجيش الفريق سامي عنان ترتيبات الانتخابات البرلمانية، وأوضح خلال لقاء ثان عقده أول من أمس مع قيادات حزبية أن «الإجراءات الانتخابية ستبدأ أواخر أيلول (سبتمبر) المقبل بالدعوة إلى إجراء الانتخابات يعقبها عمليات فتح باب الترشيح، وتلقي الطلبات، والانتهاء من ترتيبات إعداد القوائم واللجان الانتخابية والتي ستطول نحو شهرين على أن تبدأ العملية الانتخابية في تشرين الثاني (نوفمبر) المقبل، وتمر بثلاث مراحل، وستخضع لإشراف قضائي كامل ومراقبة منظمات المجتمع المدني المحلية». ونقل رئيس حزب «التجمع» رفعت السعيد الذي حضر الاجتماع، عن عنان «ترحيبه بتوافق القوى السياسية على وثيقة المبادئ الحاكمة التي سيبنى عليها الدستور الجديد، وتسليمها إلى عضو المجلس العسكري اللواء ممدوح شاهين الذي سيعرضها على المجلس للموافقة عليها». وأوضح السعيد ل «الحياة» أن «عنان أكد أن الجيش يرفض في شدة استئثار أي تيار سياسي بالسلطة في الفترة المقبلة، أو أن يسيطر أي تيار على اللجنة التأسيسية التي سيختارها البرلمان الجديد لوضع دستور، وتعهد ضمان عدم حدوث ذلك». وأشار الأمين العام لحزب «الكرامة» (تحت التأسيس) أمين اسكندر إلى أن عنان دعا رئيس حزب «الجبهة الديموقراطية» أسامة الغزالي حرب والفقيه الدستوري محمد نور فرحات اللذين كانا ضمن الحضور إلى «التنسيق بين القوى السياسية ولقاء غالبية الشخصيات والنخب نحو الخروج بوثيقة واحدة للمبادئ فوق الدستورية». وأكد أن «الجيش يرحب بتلك الخطوة ومستعد لإضافتها إلى الإعلان الدستوري الذي أصدره أواخر آذار (مارس) الماضي، في محاولة منه لطمأنة القوى السياسية المتخوفة من سيطرة الإسلاميين على لجنة صوغ الدستور الجديد». وكان 28 حزباً منضوياً تحت عباءة «التحالف الديموقراطي من أجل مصر»، وقعوا أمس في مقر حزب «الوفد» وثيقة ل «المبادئ الدستورية» تعتمد الشريعة الإسلامية المصدر الرئيسي للتشريع مع السماح للأقباط بتطبيق شريعتهم في مسائل الأحوال الشخصية. وأكد تحالف الأحزاب الذي يضم «الحرية والعدالة»، الذراع السياسية ل «الإخوان المسلمين»، في وثيقته على النظام الديموقراطي، وضمان الالتزام بالحقوق والحريات الأساسية، لكن الوثيقة لم تتطرق إلى النظام السياسي للبلد سواء رئاسي أم برلماني، أو أسلوب وشروط انتخاب رئيس الجمهورية، أو صلاحيات البرلمان والحكومة. وقال عضو اللجنة التي وضعت الوثيقة الدكتور وحيد عبد المجيد ل «الحياة»: «وضعنا في الوثيقة مبادئ عامة تشكل ضماناً للحريات والحقوق العامة للمواطن مع ضمان الالتزام بالنظام الديموقراطي، أما المسائل الشكلية المتغيرة مثل النظام السياسي وصلاحيات الرئيس وغيرها لم نتطرق إليها». وأكد أن تلك الوثيقة «لا تتعارض مع وثيقة حقوق الإنسان التي كان طرحها الدكتور محمد البرادعي، وهناك قيادات حزبية ضمن التحالف تناقشت مع البرادعي والرجل مرحب بما نصدره». على صعيد آخر، نفى الأمين العام السابق للجامعة العربية عمرو موسى نيته الانسحاب من الانتخابات الرئاسية المقبلة. وشدد على أنه مستمر في ترشحه وأن مسألة انسحابه من السباق «لم ترد في ذهنه مطلقاً»، مشيراً إلى أنه يسعى الآن إلى «الاستماع لكل فئات الشعب تمهيداً لصياغة برنامجه الانتخابي». ودعا موسى في بيان أمس إلى التوافق بين الأحزاب. ورأى أنه «يصب في مصلحة الوطن لأن من المصلحة تقارب وجهات النظر، وأن يقف الجميع في جبهة وطنية واحدة». وشدد على «أهمية تكوين جبهة قوية وطنية تصب في مصلحة مصر لا لمصلحة مرشح من دون آخر... لأن الوضع الحالي يحتاج إلى وقفة جماعية وطنية».