على رغم أن ما هو معروف من أن الموهبة لا تورَّث، لا شك في أن المخرج الشاب مروان حامد أخذ عن والده الكاتب البارز وحيد حامد جينات التميز والموهبة وعمق الرؤية ووضوح الطرح. فبينما بزغ نجم الأب في الكتابة التلفزيونية والسينمائية، شغف الابن بالإخراج، إلا أنه لم يلتحق بالعمل السينمائي لمجرد كون والده يعمل في هذا المجال، لكنه كان قراراً شخصياً نابعاً من المخرج الشاب، الذي لا ينكر أن عمل والده في الكتابة السينمائية ساعده بشكل أو بآخر، عبر احتكاكه بالأجواء الأدبية، واقترابه من المطبخ السينمائي وهو عالم شيق ومثير، دعمه اهتمامه بالقراءة والاطلاع في سن صغيرة، كما عززه قدر من الحرية التي أتاحها له أبوه ووالدته المذيعة الإخبارية ورئيس التلفزيون المصري السابق زينب سويدان. بدأ مروان حامد مشواره عقب الانتهاء من دراسته الثانوية، إذ عمل كمساعد مخرج تحت التدريب مع شريف عرفة، وتدرج إلى مساعد مخرج بجانب دراسته في المعهد العالي للسينما الذي تخرج فيه العام 1999، ومن ثم بدأ الولوج في عالم السينما وكان مشروع تخرجه هو الفيلم الروائي القصير «لي لي» 2005 عن قصة ليوسف إدريس، ثم جاءت بدايته مع الأفلام الطويلة القوية والمؤثرة عبر «عمارة يعقوبيان «2006، المأخوذ عن رواية علاء الأسواني، وتتابعت أعماله، ومنها «إبراهيم الأبيض» 2009، و «الفيل الأزرق» 2014، و «الأصليين» 2017، وأخيراً انتهى من تصوير «تراب الماس» الذي يعكف على مونتاجه. ورغم تعرض بعض أعماله للهجوم، فإنها كانت مميزة وحازت الإقبال الجماهيري والإشادة النقدية، وتوجت بجوائز محلية ودولية. «الحياة» التقت مروان حامد وحاورته حول أعماله ومخططاته المستقبلية لفيلم يكافح التطرف والإرهاب، ومصير «رجل المستحيل». تشي أفلامك بانجذاب إلى الأعمال الأدبية التي تميل إلى أن تستقي أفلامك عنها؟ - تستند غالبية الأفلام، سواء الحديثة منها أو تلك التي تعود إلى العصر الذهبي للسينما المصرية أو العالمية، إلى مصدر أدبي، فعلاقة السينما بالأدب وطيدة وقديمة جداً وانتقلت إلى المسلسلات التلفزيونية ليس فقط محلياً لكن دولياً أيضاً، ولا أرى ذلك غريباً بل طبيعياً، فالمصدر الأدبي الناجح والمميز يضفي قوة على الفيلم، وثمة أمثلة عدة لأدباء تحول كثير من أعمالهم إلى السينما بينهم نجيب محفوظ وإحسان عبدالقدوس وغيرهما. يعد أحمد مراد الكاتب الأوفر لديك عبر أفلامك «الفيل الأزرق» و «الأصليين» و «تراب الماس»... هل يستهويك أدب مراد أم بسبب نجاح رواياته ورواجها بين الشباب؟ - يأتي اختياري أي فيلم نابعاً من شغفي ب «الحدوتة» التي يقوم عليها، وأي عمل صنعته مع أحمد مراد مبعثه انجذابي الشديد إلى نصوصه وأعماله فقط. بين الأب والابن في فيلم « عمارة يعقوبيان» 2009 كانت الرواية لعلاء الأسواني لكن النص السينمائي لوحيد حامد، كيف كان يسير العمل والعلاقة مع والدك؟ - سار العمل في شكل منهجي، ما جعله سهلاً ومنظماً وواضحاً، ودائماً ما تجمعني بوالدي وحيد حامد علاقة تفاهم كبير إذ نتشارك الآراء والنقاشات دوما. جاء فيلم «عمارة يعقوبيان» صادماً للبعض لكونه تطرق بوضوح إلى موضوعات شائكة لا يقبلها المجتمع، وبينها قضية الشواذ، ألم تكن تخشى الهجوم حين العمل عليه، لا سيما أنه أول تجاربك الإخراجية الطويلة؟ - السينما والأعمال الأدبية تتمتع بالجرأة في طرح القضايا المختلفة دائماً، لكن الأساس يعتمد على طريقة التناول. ويستند «عمارة يعقوبيان» إلى رواية جريئة جداً وانتهجت طريقة سينمائية مناسبة للسرد في شكل يخدم الموضوع من دون صدم الجمهور، إذ تعاملنا مع كل القضايا الشائكة بجرأة وحرص وأسلوب فني راقٍ ومن دون ابتذال وبشكل يحترم المتفرج. وهذا كان سبب نجاح «عمارة يعقوبيان» وتحقيقه إيرادات كبيرة وحصده جوائز دولية، كما اختير ضمن قائمة أحسن 100 فيلم عربي من مهرجان دبي منذ عامين ضمن استفتاء للنقاد، كما عرض في 50 دولة حول العالم، وتمكن الفيلم من أن يجمع بين النجاح التجاري والجماهيري والنقدي والانتصار العالمي. استعنت في الفيلم بنجم كبير هو عادل إمام. هل وافق بسهولة على بطولة فيلم هو تجربتك الأولى؟ وكيف تعاملت معه؟ - في البداية قرأ السيناريو ثم جمعتني به جلسة طويلة، ثم أخذ مهلة للتفكير ثم بادر بالموافقة. وأعتبر «عمارة يعقوبيان» إحدى التجارب المهمة التي خضتها، لكوني عملت مع عادل إمام فهو صاحب فضل تجاهي خلال مشواري الفني وقدم لي دعماً كبيراً خلال تصوير الفيلم وما بعده، بجانب أني من عشاقه وأعتبر التعامل معه أهم المحطات في حياتي. إبراهيم الأبيض في جزر منعزلة حل فيلم «إبراهيم الأبيض» في مرمي اتهامات بترويج العنف وترسيخ ثقافة البلطجة، ما ردك؟ - هذا يطرح سؤالاً مهماً، وهو هل الأفلام هي التي تروج فعلياً للعنف أم أنها مأخوذة من الواقع؟ وعندما عرض «إبراهيم الأبيض» سادت أجواء الاستنكار وعدم تصديق ورفض الاعتراف بأن تلك البلطجة موجودة في الشارع المصري، وبعد قيام الثورة المصرية 2011، ظهر هذا العنف جلياً ولمسه الناس بوضوح وظهرت مناطق لم يرها أحد من قبل كانت تعيش في جزر منعزلة عن مصر، ما أصاب المشاهدين بالهلع والمفاجأة، إذ اكتشفوا أن في مصر هذا الكم الهائل من البلطجة والسلفيين. عندما طرح الفيلم في 2009 رأى البعض أن هذا الفيلم مبالغ فيه وغير واقعي، ثم بدأوا ينظرون إليه بطريقة مختلفة، وظهرت قيمته مع مرور الزمن. فهناك أفلام تصنع كل عام لكنها تنسى، لكن «إبراهيم الأبيض» ورغم مرور نحو 9 سنوات مازال عالقاً في الأذهان ولو لم يكن فيلماً مهماً لما استمر حتى الآن. كيف اقتربت من هذه الفئات وعبرت عنها بكل تلك الصدقية في مشاهد الفيلم؟ - اعتمدنا على البحث في صفحات الحوادث والقضايا عموماً، فيما قام مؤلف الفيلم عباس أبوالحسن بجهد وبحث عميق في هذا الصدد، وصورت «إبراهيم الأبيض» في أماكن حقيقية وبعضها الآخر في ديكورات، وكثير من المصطلحات التي وردت في الفيلم مستمدة من الواقع ولشخصياته أشباهٌ في الحقيقة. قدم نجوم الفيلم، ومنهم أحمد السقا، أشياء مغايرة عما قدموه في أدوار سابقة، شكلوا مفاجأة. - أدى الفنان الكبير محمود عبدالعزيز دوراً رائعاً، والجمل الحوارية التي قالها موجودة وحية حتى الآن بعد مرور 9 سنوات، ولا يزال الشباب يستخدمها ويرددها على فايسبوك، ما يؤكد عمق أدائه الممتع وصدقيته. فيما قام أحمد السقا تحديداً بدور مهم جداً وبذل جهداً كبيراً خلال التصوير لا بد من الإشادة به. هل تتعمد أن تقوم أعمالك على البطولة المشتركة، إذ تضم غالبيتها نجوماً من الصف الأول؟ - أؤمن تماماً بأهمية وجود النجم، لأن ثمة علاقة بين الفنان والمتفرج لا يمكن تفسيرها، هي مزيج من الحب والقبول، ما يجعل الفيلم يصل إلى المشاهد، وهو ما أطمح إليه وأعتبره أحد العناصر القوية للعمل، حيث يتضح الجانب الإنساني في التواصل بين السينما والمشاهد، وهنا تكمن أهمية وجود النجوم الكبار الذين يساعدون في وصول العمل الفني إلى قلب الجمهور. خرج فيلم «الأصليين» عصيّاً على فهم الجمهور ولم يلق النجاح المرتقب؟ - منذ بداية كتابة السيناريو أدركت مع مؤلفه أحمد مراد أنه عسير على الفهم، وأننا نقوم بتجربة مختلفة، وبصراحة أحيي شجاعة منتجي الفيلم، سواء شركة ريد ستار أو نيوسنتشري لكونهم تحمسوا لإنتاجه، وتعاملت مع هذا الفيلم بمساحته الجماهيرية التي وصل إليها، فلم أتفاجأ بردود الفعل تجاهه، إذ أدرك نوعية الفيلم والتجربة ونوع المغامرة التي أخوضها، وما حققه الفيلم كان في نطاق توقعاتنا. الإرهابيّ المبكر ما هي مشروعاتك السينمائية المقبلة؟ - دائماً ما أكون في حالة عمل وبحث، لكن ثمة مشروعاً مهماً للغاية من وجهة نظري، حول حياة حسن الصباح، وهو أول من أسس جماعة إرهابية في العالم، وأعكف مع الكاتب أحمد مراد على العمل عليه، ومكثنا سنوات من البحث والعمل عليه. ونضع في الاعتبار أن نصنعه بطريقة تصل إلى المشاهد، لاسيما أن غالبية الجمهور من الشباب اعتاد أسلوب سرد حديث جديد، ونحن نحتاج إلى مثل هذه النوعية من الأفلام في ظل استقطاب الشباب عبر الإنترنت، ومن ثم لا بد أن يكون ردنا عبر أعمال فنية شيقة تتم صناعتها بطريقة جذابة للشباب ووفقاً لأسس عالمية. «حسن الصباح» مشروع فيلم مهم وبذلنا فيه جهداً ووقتاً كبيرين جداً، وآن الأوان لنقوم بتنفيذه، بخاصة أن السيناريو جاهز، لكن لم نبدأ بعد خطوات تنفيذه. إذن ستستخدم الفن لمعالجة ظاهرة التطرف والإرهاب؟ - أرى أن التعامل الإعلامي عموماً والفني خصوصاً في معالجة انتشار ظاهرة التطرف لم يكن بالمقدار الكافي، فيما ينبغي أن نعمل على صناعة أعمال كثيرة خالية من الخطابة التي لا يستسيغها الشباب الطالع، لدفعه إلى التفكير والبحث وكي لا نجعله نهباً للاستقطاب عبر المنابر المضللة أو مواقع الإنترنت وما يقال في المساجد. فلا بد من أن يكون الرد عبر خطاب حديث وملائم يمكن أن يفهمه، مع التركيز على الجيل الذي ولد بعد سنة 2000 ووجد نفسه أمام الهاتف المحمول والفايسبوك والإنترنت وتويتر، فهو الأَولى باهتمامنا من خلال ملء المساحة الثقافية الفارغة الكبيرة لديه، بل واحتلالها. خلال فترة التسعينات كان هناك موجة عارمة من التطرف التي اجتاحت مصر ودولاً عربية واستهدفت قتل المبدعين والمفكرين، بل بلغت قتل المدرسين في الجزائر، ما يعني أن أكثر ما يخيفهم هو الفكر، ومن ثم لا بد من أن نحارب أفكارهم بقوة وبعنف يتوازى مع تحركاتهم. ولا بد من أن تكون هناك روافد متنوعة عبر السينما والتلفزيون، فما زلت أذكر جيداً حين كنت طفلاً حين عُرض مسلسل «العائلة» وتأثيره الإيجابي لمحاربة ظاهرة الإرهاب. هل سيخرج كعمل تاريخي أم سيتم تطويعه كي يناسب الوضع المعاصر بحيث تدور أحداثه بالتوازي بين الزمن الحاضر والماضي؟ - هو عمل تاريخي صرف، ويكمن سحره في أنه يحدث في الماضي. لكن طريقة التنفيذ ستكون حديثة تناسب الشباب الآن ووفقاً للمعايير العالمية. تعتزم تحويل سلسلة روايات «رجل المستحيل» إلى فيلم، وهي التي ارتبطت شخصياتها مع أجيال الثمانينات والتسعينات بصورة ذهنية محببة.. ألم يكن مقلقاً بالنسبة اليك كمخرج أنك تحولها إلى صورة؟ - بالفعل تعاقدت مع شركة بروديوسيرز، ولم نبدأ التصوير بعد، وأعتبر هذا الفيلم تحدياً في حد ذاته، ومن طبيعتي أنني أهوى خوض التحديات والمغامرة.