شخّص أستاذ السلوك التنظيمي المشارك في جامعة القصيم والكاتب السعودي الدكتور عبدالله البريدي، «مجتمعاتنا بأنها مصابة بخطايا ثقافية عدة، منها ضمور التفكير الاستبصاري»، منبهاً إلى أن ذلك الضمور «يجمد قدرة المجتمع على تحديد الأبعاد الحرجة في التشخيص الثقافي والحضاري والهندسة الاجتماعية مما يورطه في تحديد كم هائل من المشكلات الجزئية، التي يمكن إرجاعها إلى قضايا إشكالية كبرى أو أمراض اجتماعية خطيرة، إن نحن أفلحنا في حلها فسيمهد ذلك لنا سبيلاً لحل كثير من المشكلات الجزئية والأمراض الصغيرة»، ضارباً مثالين على ذلك، ب «أننا نكاد لا نقر بوجود إشكالية التزكية الوقحة لذواتنا، أو إشكالية نقص الصدقية في مجتمعاتنا العربية». وتناول البريدي، في محاضرة ثقافية خلال استضافته في منتدى «العميرة الثقافي» في محافظة رجال ألمع، أمس (الثلثاء) بعنوان: «خطايا ثقافية»، خطيئة ثقافية أخرى، وهي «ضعف تبصر الثقافة بنفسها»، وهو ما يضعف فعالية الثقافة في تحقيق الأهداف العليا للمجتمع، ويترتب على ذلك إشكاليات خطيرة منها، انعدام التراكمية وهزال التشخيص، والاتكالية في علاج المشكل الثقافي، وعدم التجدد في وظائف الثقافة وأدوارها. وفند أسباب عنونة محاضرته ب«خطايا ثقافية»، بأن ل«الخطايا معاني تلائم الأفكار المحورية التي ناقشها»، وربما سعى إلى توريط الحضور معه في «إنضاجها ودفع بعض تكاليفها»، بحسب حديثه. وأضاف: «الخطايا، وهي جمع خطيئة، ذات دلالات متعددة في إرثنا الديني واللغوي والاجتماعي، والخطايا، في شكل عام، مثقلة بحمولات سلبية كثيفة، فمنها أنها تشير إلى سيئات كبار يقترفها صغار القوم وكبارهم، كما أنها تحمل معنى الخطأ العمد، وفيها بذور مخالطة الخطأ وعقد تحالف أبدي أو شبه أبدي معه؛ في سياق تجهد فيه الخطايا لأن تخفي معالم الخطأ وتتنكر لوجوده أو حدوثه أو صناعته، غير أنه أكد أن «ثمة حمولة إيجابية للخطايا تدفعنا إلى التعاطي معها وفق منظور أكثر تفاؤلاً، ذلك أننا لا نكاد نطيق ذكر الخطيئة وتدنيسها إلا وهي مقترنة بالتكفير وتطهيره، ما يفتح آفاق الأمل بخلاص الذات من مكبلاتها ومخفضات فعاليتها». من الضروري أن نوجه تحليلنا للثقافة بما يقربنا من موضوع الخطايا، كما يقول البريدي. وفي ذلك الاتجاه، اعتبر أن «الثقافة تمنح الإنسان أوراقاً بيضاء ليدوّن عليها ما يشاء، فالثقافة لا تخلق نفسها بنفسها، إنما هو الإنسان الذي يوجدها وفق منظومته العقدية والفلسفية والقيمية وطرائق تفكيره، مستدركاً: «غير أن الثقافة ليست مجرد مخزن للأوراق التي يراكمها الإنسان في أدراجه وزواياه، ولكنها كائن يتشبث بأسباب الحياة كلها. وبعد مقاربة لمفردتي «خطايا ثقافة» طرح البريدي، عدداً من الأسئلة الإشكالية، ثم خلص إلى القول بأن «الخطايا» تصبح «ثقافية» حين تلتصق بالثقافة أو تلصق بها أو تنبع منها أو تسوق من خلال مفرداتها أو تمرر عبر وظائفها، والمسؤولية مشتركة بيننا وبين ثقافتنا في صناعة الخطايا الثقافية وتجذيرها والتسويق لها. وأكد البريدي، في نهاية محاضرته، أن «مرض النفاق الاجتماعي يكلفنا الكثير، ففي المجتمع السعودي نتكلف قرابة المليار ريال سنوياً على بعض مظاهر النفاق الاجتماعي»، إلا أنه لم يفصح عن طريقة احتسابه لهذا الرقم الملياري، ملمحاً إلى أنه سيترك ذلك إلى ذهن الفرد. كما تطرق البريدي، إلى خطايا ثقافية أخرى ومنها «تجاهل الحتميات المطلقة»، و «الأمية المنهجية»، و «اغتيال الإبداعية».