هل كان الممثلون اليهود حالة استثنائية في تاريخ مصر؟... تساؤل يطرحه الناقد السينمائي الكاتب أشرف غريب في دراسة عنوانها «الممثلون اليهود في مصر»، وسرعان ما يرد بقوله: «بكل تأكيد لا لم يكونوا كذلك. ... فقد كان حضورهم في المشهد الفني اعتيادياً لا يسترعي الانتباه أو قل أنهم كانوا إفرازاً طبيعياً لمرحلة كانت فيها مصر دولة «كوزموبوليتانية» تعيش أجواء ليبرالية حقيقية تعرف جميع الأطياف والطوائف... فقد كان عدد الممثلين اليهود حتى عقد الأربعينات من القرن الماضي، والذين أمكن الكاتب حصرهم يوازي - إن لم يكن يتجاوز - عدد الممثلين الأقباط على مدى تاريخ فن التمثيل في مصر. ويضيف غريب: «كانت مصر دولة منفتحة ومجتمعاً متفتحاً تعيش مناخاً جاذباً لا يلفظ أحداً أو يأخذ موقفاً من دين أو عرق أو طائفة... وكان الممثلون اليهود جزءاً أصيلاً من الحركة المسرحية مع بداية ظهورها في مصر؛ واستمر الأمر كذلك حتى نهاية عقد الأربعينات من القرن الماضي. ومع تنامي الحركة المسرحية ثم ظهور النشاط السينمائي، خصوصاً الروائي منه منذ عام 1927، لم يكن هناك ما يسترعي الانتباه في وجود ممثلين يهود جنباً إلى جنب مع أقرانهم المسلمين والأقباط أو حتى المتمصرين من ذوي الأصول الأجنبية الذين أقاموا في مصر في شكل دائم. فلم يكن مستغرباً أن تضم فرقة جورج أبيض المسيحي في ذلك الوقت، كلاً من اليهودية مريم سماط والمسلم حسين رياض، أو تكون بطلة فرقة الشيخ سلامة حجازي – المسلم - هي اليهودية ميليا ديان في وجود القبطي منسي فهمي والمسلم محمود وصفي، بل إن الشيخ سلامة حجازي نفسه كان يقيم بعض الحفلات المسرحية لمصلحة مشاريع خيرية يهودية من دون استهجان من أحد». ويكمل غريب: «استمرت الأمور على هذه الحال مع توالي نشوء الفرق المسرحية فعرفت فرقة نجيب الريحاني - المسيحي - وجود الفنانات اليهوديات صالحة قاصين وإستر شطاح ونجوى سالم مع المسلمين حسن فايق وميمي شكيب وعبدالفتاح القصري وغيرهم. وكان هناك تعاون سينمائي مع اليهودي توغو مزراحي مع المسلم علي الكسار والمسيحي ستيفان روستي كما أبرز المسلم محمد كريم الموهبتين اليهوديتين ليلى مراد وراقية إبراهيم، مع المسيحية رجاء عبده. ويوضح غريب أن صفحات هذه الدراسة تُعنى بالممثلين اليهود أصحاب التجارب الواضحة والمشوار البارز، مذكّراً بحرص بعضهم على تغيير أسمائهم ومنهم (راشيل أبراهام التي اشتهرت باسم راقية إبراهيم) و (ليليان فيكتور كوهين التي عرفت باسم كاميليا) و (نظيرة موسى شحادة - واشتهرت بنجوى سالم) و (توغو مزراحي وعرف ب أحمد المشرقي)، ما يعني أن تغيير الأسماء لم يكن لأسباب دينية أو اجتماعية أو حتى سياسية وإنما كان لأسباب فنية بحت بحثاً عن اسم أكثر شهرة أو أكثر سهولة مثلما لجأ إلى ذلك الممثلون المسلمون مثل أحمد رمزي وعمر الشريف وشادية وزينات صدقي ومديحة يسري ونور الشريف وغيرهم. ويرصد غريب من خلال دراسته تفاصيل حياة أكثر من نجم ونجمة وبينهم ليلى مراد وأخوها منير مراد وإستر شطاح ونجمة إبراهيم وشالوم وراقية إبراهيم وإلياس مؤدب وتوغو مزراحي وكاميليا ونجوى سالم وفيفي يوسف، ويؤكد أن الممثلين اليهود كانوا جزءاً أصيلاً من تاريخ الحركة الفنية في مصر، والذي كان يتسم بالتعددية واحترام الآخر.