1995) مجرد مطربة قادها جمال صوتها إلى الظهور كممثلة على شاشة السينما، شأنها شأن عشرات المطربين والمطربات، وإنما هي من الأسماء القليلة في تاريخ الفن العربي التي صنعت لنفسها حضوراً استثنائياً حتى في ظل سنوات احتجابها الطويلة. كل شيء في سيرة ليلى مراد ومسيرتها يدعو إلى التأمل والدراسة: جذورها اليهودية ونشأتها المختلفة، روافد فنها وبداياتها الأولى... زيجاتها الثلاث وإشهارها إسلامها... لغز اعتزالها المفاجئ... وهذا كله يحاول أن يكشفه الكاتب الصحافي أشرف غريب، في كتابه «الوثائق الخاصة لليلى مراد» الصادر عن دار الشروق. يقول غريب: «إنها أول نجم شباك في مسيرة السينما المصرية، كما أنها الوحيدة بين النجمات التي حملت عناوين الأفلام اسمها («ليلى بنت الفقراء» - «ليلى بنت الأغنياء» - «ليلى بنت الريف» - «ليلى» - «ليلى بنت مدارس» - «ليلى في الظلام»). كما أنها تعتبر السندريلا الأولى في السينما المصرية وجاءت بعدها الفنانة الراحلة سعاد حسني». أحبت ليلى مراد الغناء إرثاً من أبيها الملحن والمطرب زكي مراد، الذي ورثت منه جمال الصوت. وهي في تجربتها تشبه إلى حد كبير تجربة كوكب الشرق أم كلثوم، حيث كانت تجوب القرى والنجوع للغناء في الأفراح والمناسبات المختلفة، وكانت لا تتجاوز الثانية عشرة من عمرها، فازداد رصيدها من الخبرة وأصبح الصوت الصغير أكثر نضجاً، حتى إذا ما تم افتتاح الإذاعة المصرية في 31 أيار (مايو) 1934، قرر الفنان مدحت عاصم، المشرف على الموسيقى بالإذاعة والمؤمن بموهبة هذا الصوت، أن يمنح ليلى مراد فرصة الغناء عبر ميكروفون الإذاعة أسبوعياً. فحقق لها ذلك قدراً من الانتشار وهي لم تزل بعد في السادسة عشرة من عمرها. ويضيف غريب: «في العام 1935، شاركت ليلى مراد بالغناء فقط في النسخة الناطقة من فيلم «الضحايا». وباستثناء محمد عبدالوهاب، فإن أحداً لم يكن يتوقع النجاح الذي حققته ليلى مراد في السينما بعد فيلمهما الأول «يحيا الحب» (1938)، لولا أن تلقفها المخرج توجو مزراحي، والذي أخرج لها فيلم «ليلة ممطرة» بعد أقل من عام، ثم أتبعه بأربعة أفلام متتالية هي («ليلى بنت الريف» و «ليلى بنت مدراس» و «ليلى» و «ليلى في الظلام»). واستطاع المخرج أن يحقق كل أهدافه، أما في ما يخصّ ليلى مراد نفسها، فقد حقق لها توجو مزراحي كل شيء، حيث لقنها كل حرفيات التمثيل وأزال عنها الخجل ورسم شخصيتها السينمائية التي ظلّت تلازمها في معظم أفلامها السبعة والعشرين». وإذا كان توجو مزراحي قد أرسى دعائم نجاح ليلى مراد، فإنها كانت على موعد جديد مع نجاح من نوع آخر... كان نجاحها مع أنور وجدي بداية من فيلم «ليلى بنت الفقراء»، أشد وأبقي أثراً من كل الأفلام التي سبقته، لأنه لم يكن نجاحاً فنياً فقط بل كان نجاحاً جماهيرياً منقطع النظير... نجاحاً جعل من ليلى مراد ولمدة عشر سنوات (1945 - 1955) أول نجمة شباك في تاريخ السينما العربية. ويوضح غريب أن الملايين الذين التفّوا حول نجمتهم المفضلة منذ إطلالتها الأولى بطلة لفيلم «يحيا الحب» وحتى عرض فيلمها الخامس عشر «قلبي دليلي»، لم يكن يشغلهم أو يعنيهم كون هذه النجمة التي أسرتهم هي في الحقيقة يهودية الديانة تماماً مثلما لم يكن يستوقفهم أن نجيب الريحاني مسيحيّ وأن يوسف وهبي مسلم، «المصريون كانوا يرفعون شعار الدين لله والفن والوطن للجميع». وحينما توقّفت ليلى مراد عن التمثيل بعد فيلم «الحبيب المجهول» في العام 1955، كانت في السابعة والثلاثين من عمرها. والأهم أنها كانت في قمة تألقها ونضارتها الفنية. وفشلت كل المحاولات لإثنائها عن قرارها هذا، وعلى رغم غيابها قرابة 40 عاماً عن الساحة الفنية قبل رحيلها، إلا أنها كانت لا تزال في ذاكرة المشاهد ليس فقط لأنها نجمة استثنائية، لكن أيضاً لأنها كانت نتاج عصرها وإفرازاً لما تحلى به من صفات، صنعت موهبتها وذكاءها الفني وذكاء الذين تعاملوا معها، والظروف الفنية والعامة التي ظهرت فيها وتلك التي صاحبت قرار اعتزالها، وأيضاً تلك التي واكبت سنوات احتجابها على أن تضمن لها البقاء والخلود في الذاكرة الفنية. الكتاب يحوي الكثير من الوثائق الخاصة بها مثل وثيقة إشهار إسلامها في العام 1947، ووثيقة طلاقها من أنور وجدي، ووثيقة من قيادة القوات المسلحة في العام 1952 تفيد بعدم سفرها إلى إسرائيل كما أشيع وقتها. ومن اللافت للنظر كما يقول الكاتب الصحافي أشرف غريب، أن ليلى مراد كانت تكتب مقالات أو بعضاً من خواطرها لبعض الصحف والمجلات، وقالت عن نفسها في إحدى مقالاتها والتي نشرتها مجلة «الكواكب» في العام 1954: «كنت لا أريد لنفسي أن أكون مغنية ولا ممثلة، كنت أمني نفسي بأن أكون مدرسة أو زوجة كباقي الزوجات السعيدات، وفشلت أن أكون مدرسة وباعدت حياتي الجديدة بيني وبين الزواج الموفق».