كان مُقدّرا للانتخابات الرئاسية الايرانية ان تكون عيداً، على حد وصف مرشد الجمهورية لها. وما قصده خامنئي هو ان على الناخبين الايرانيين الابتهاج والفرح بتجديد البيعة الشعبية للنظام الاسلامي الذي يقف على رأسه ويقوده. وذلك عبر التجديد لولاية ثانية للرئيس محمود احمدي نجاد، اكثر الشخصيات المعروفة التصاقا بهذا النظام، كما يريده خامنئي، والنواة الصلبة التي تحيط به. واستند وصف العيد الى تجارب الانتخابات السابقة، رئاسية وبرلمانية، حيث ان مصفاة الترشيح كانت كافية لاستبعاد اي معارضين او منتقدين للنظام، يمكنهم إفساد فرحة العيد. وظلت كل المنازعات مضبوطة وتحت الرقابة، بما لم يكن يتيح اي خرق لهذا الإجماع الذي يفترضه النظام في البلاد. ولم تكن عملية الضبط هذه ممكنة فقط بتضخم الامن الداخلي المرتبط ب «الحرس»، وفروعه، وبالحد من الحريات والقمع. وانما جرى تقنينها عبر الدستور. اذ أن كل مؤسسات القرار في النظام تتم بالتعيين او بالانتخاب غير المباشر، فيما لا تتمتع المؤسسات المنتخبة مباشرة من الشعب بأي سلطة فعلية. وهذا يصح على المنصب الرئاسي كما يصح على المؤسسات الاخرى، المدنية والعسكرية والاقتصادية والاجتماعية والاعلامية. في هذا المعنى يتحول الانتخاب، عمليا، الى استفتاء على ما يقرره المرشد، ومن حوله في المؤسسة العسكرية - الامنية. وهنا بالضبط تكمن جذور الأزمة الحالية في ايران. لقد قرر المرشد التجديد لأحمدي نجاد، لتكون اعادة انتخابه استفتاء شعبا واسعا للنظام، كما اظهرت الارقام المعلنة لنتائج الانتخاب. على ان تكون منافسة «ابناء الثورة» الآخرين على المنصب هي الدليل على جدية هذا الإجماع (الاستفتاء)، وليس العكس. وفي حال حصلت اعتراضات متوقعة، من الممكن جبهها بموقف «الولي الفقيه» الذي يتمتع بحق مطلق يُفرض على الجميع، بحسب دستور الجمهورية الايرانية. لقد وُضع هذا الدستور على قياس مؤسس الجمهورية الاسلامية الإمام خميني، وفي ظل ميزان قوى داخلي وتحالفات واسعة وظروف اقتصادية واجتماعية محددة لدى اطاحة الشاه، وفي ظل الحرب العراقية - الايرانية، وايضا في ظل وضع اقليمي ودولي تميّزه الحرب الباردة وقتال السوفيات في افغانستان. لقد راهن المرشد على ان الجمهورية الاسلامية لا تتأثر بتغير الظروف الداخلية والخارجية، وان «ولاية الفقيه»، كنظام سياسي وآلية حكم، قادرة على مواجهة كل المتغيرات، وان حقه الدستوري في «تجريم» اي مظاهر اعتراض يزيل الاخطار. ومن اللافت ان الاعلام الرسمي في ايران، رغم ما تشهده الشوارع، لا يزال يشدد على ان منافسي احمدي نجاد الذين يعترضون على نتائج الاقتراع الرئاسي، هم «ابناء الثورة» ومؤسسو النظام الاسلامي، بما ينزّههم عن التعارض مع «الولي الفقيه» او حال الانشقاق عنه. اما الذين يفتعلون الاضطراب فهم زمر تعمل في اطار المؤامرة الخارجية. وذلك لأن شعار التحركات الشعبية «أين صوتي»، بغض النظر عن حجم هذا الصوت، يطرح المسألة الاساسية في النظام، وهي ان الاقتراع الشعبي يجب ان ينعكس في مؤسسات القرار. وهذا ما يفتح الباب واسعا امام مناقشة دستور «ولاية الفقيه»، بما هو دستور يحتجز الاقتراع الشعبي، ويتعامل معه كوسيلة في استفتاء وبيعة، يتجددان بين وقت وآخر. والدلائل على انفتاح هذا الباب هو عدم الانصياع الى توصيات المرشد بالاحتفال بالعيد الانتخابي. لا بل زادت هذه التوصية الشارع الايراني اشتعالا، رغم الاجراءات الامنية والتعتيم الاعلامي وعمليات القمع والاعتقالات. وقد يتمكن النظام الايراني، في فترة تطول او تقصر، على احتواء حركة المعارضة الحالية، ويفرض استتباب الامن، في الشارع والسياسة. لكن الانشقاق الحاصل حاليا، وهو الاوسع والاكثر راديكالية منذ انتصار الثورة واقامة الجمهورية الاسلامية، كشف مأزق الدستور الايراني وعيوبه، في مواجهة ظروف غير تلك التي رافقت قيام الجمهورية الاسلامية، خصوصا ما يتعلق بمعنى الانتخاب. اي بين نظام «ولاية الفقيه» والديموقراطية المعبرة عن تطلعات شعبية، حتى لو أريد لها ان تكون شكلية.