استعدت دفعة جديدة من المقاتلين والمدنيين وهم يغالبون دموعهم لمغادرة جنوب الغوطة الشرقية بموجب اتفاق مع روسيا، ما سيؤدي في حال إتمام تنفيذه إلى إحكام سيطرة قوات النظام على هذه المنطقة. وتجمع عشرات المقاتلين والمدنيين في عربين أمس وسط حالة من الحزن، بعدما وضبوا ما أمكنهم من حاجياتهم في الحقائب وأكياس من القماش، قبل أن يستقلوا أولى الحافلات في طريقهم إلى حرستا، نقطة التجمع قبل الانطلاق إلى مناطق الشمال. ولم يتمكن الأهالي من حبس دموعهم وهم يهمون بالصعود إلى الحافلات التي وصلت صباحاً وتوقفت في شوارع مملوءة بالركام وعلى ضفتيها أبنية مهدمة وأخرى تصدعت واجهاتها أو طوابقها العلوية جراء كثافة القصف. وقال أحد السكان حمزة عباس: «تخرج الناس إلى بلاد غير بلادها. لم يعد لديها مال أو منازل أو حتى ملابس ليأخذوها نتيجة القصف». وأضاف بتأثر «قررت مغادرة الغوطة، كيف بإمكاني أن أعيش مع شخص قتل أهلي وأصدقائي؟ مع من دمرني ودمر مستقبلي؟». وبعد خروجها من عربين، تتوقف الحافلات تباعاً في حرستا بانتظار اكتمال القافلة تمهيداً لانطلاقها نحو الشمال. وفي تلك النقطة، تخضع الحافلات لعملية تفتيش قبل أن يستقل جندي روسي كل حافلة لمرافقتها حتى بلوغ وجهتها. ومن المقرر بموجب الاتفاق الذي تم التوصل إليه «إثر مفاوضات مع روسيا» وفق ما أعلن «فيلق الرحمن»، إجلاء نحو سبعة آلاف شخص من زملكا وعربين وعين ترما وحي جوبر الدمشقي، في عملية قد تتواصل خلال اليومين المقبلين. وأتى إخلاء جنوب الغوطة حيث لهيئة تحرير الشام (النصرة سابقاً) تواجد محدود بعد إجلاء أكثر من 4500 شخص بينهم 1400 مقاتل من «حركة أحرار الشام» يومي الخميس والجمعة. وتتعرض الغوطة الشرقية منذ 18 شباط (فبراير) الماضي إلى حملة عسكرية عنيفة، تمكنت خلالها قوات النظام من تضييق الخناق وفي شكل تدريجي على الفصائل وتقسيم مناطق سيطرتها إلى ثلاثة جيوب منفصلة، ما دفع بمقاتلي المعارضة الى القبول بالتفاوض. وخلال شهر من العمليات العسكرية، قتل خلال أكثر من شهر من الهجوم أكثر من 1630 مدنياً بينهم نحو 330 طفلاً على الأقل. وقبل التوصل إلى اتفاقات الإجلاء، تدفق عشرات الآلاف من المدنيين إلى مناطق سيطرة قوات النظام مع تقدمها ميدانياً داخل الغوطة. وقدرت دمشق عدد الذين غادروا من بلدات ومدن الغوطة منذ نحو أسبوعين بأكثر من 107 آلاف مدني عبر «الممرات الآمنة» التي حددتها الحكومة السورية. وغالباً ما يتم نقلهم إلى مراكز إيواء حكومية في ريف دمشق، تكتظ بالمدنيين. في غضون ذلك، ما زال مصير مدينة دوما، كبرى مدن الغوطة الشرقية مجهولاً مع انتظار نتائج مفاوضات تجرى مع مسؤولين روس. ووضع النظام السوري، مطلع هذا العام، الاولوية لاستعادة السيطرة على الغوطة الشرقية، التي تحظى برمزية كبيرة لقربها من العاصمة وتعد من أوائل المناطق التي شهدت مظاهرات احتجاجية مناهضة للنظام في عام 2011. وطوال فترة سيطرتها على المنطقة، احتفظت الفصائل بقدرتها على تهديد أمن دمشق من خلال إطلاق القذائف التي استهدفت إحداها السبت مدينة رياضية في حي المزرعة، متسببة بمقتل طفل لاعب كرة قدم من فئة الأشبال وإصابة سبعة اخرين من رفاقه بجروح، وفق ما أوردت وكالة أنباء «سانا». وخلال سنوات الأزمة، شهدت مناطق سورية عدة بينها مدن وبلدات قرب دمشق عمليات إجلاء لآلاف المقاتلين المعارضين والمدنيين بموجب اتفاقات مع القوات الحكومية إثر حصار وهجوم عنيف، أبرزها الأحياء الشرقية في مدينة حلب نهاية عام 2016.