في غمرة الانتشار السريع للتكنولوجيا الحديثة ولدت تقنية النانو (جزيئات متناهية الصغر). ومنذ ولادة هذه التقنية وإلى الآن ساهمت في تطوير الحياة من حولنا، خصوصاً على الصعيد الطبي، بوساطة أساليب البحث، وابتكار نظم متقدمة لتوصيل الدواء، وطرق جديدة لعلاج الأمراض وإصلاح الخلايا والأنسجة التالفة. وتمكن الاستعانة بجسيمات النانو الفائقة الصغر في استهداف بعض أنواع الخلايا، خصوصاً السرطانية منها. ووفقاً لدراسة أجريت على الفئران تناولت تقنية النانو، فإن باستطاعة مجموعات من ذرات الذهب رصد وقتل الخلايا السرطانية التي تبقى بعد استئصال الورم بالعملية الجراحية. المعروف أنه عندما يستأصل الجرّاح السرطان، فإنه يبذل أقصى ما في وسعه من أجل إزالة جميع الخلايا الخبيثة، وبما أن هذا غير ممكن من الناحية العملية، فإن خلية أو عدة خلايا من الورم قد تظل معشعشة في مكان ما لتعطي ورماً جديداً أو أنها قد تسافر بعيداً الى أماكن أخرى في الجسم لتولّد ورماً أيضاً، من هنا يعمد الطبيب إلى إجراء آخر هو العلاج الشعاعي أو العلاج الكيماوي بهدف القضاء على أي خلية ورمية متبقية، ومع ذلك فإن هذا النهج التقليدي في محاربة السرطان غير مضمون النتائج، لذا يحاول العلماء والأطباء الاستعانة بتقنية النانو، لأنها يمكن أن تكون سلاحاً فعالاً في محاربة الخلايا السرطانية المتبقية. وقد تمكن عالم الفيزياء الأميركي ديمتري لابوتكو مع زملاء له من وضع استراتيجية تسمح برصد الخلايا الخبيثة ومن ثم توليد فقاعات نانوية قادرة على تدمير هذه الخلايا واتلافها كلياً من دون إلحاق الأذى بالخلايا والأنسجة السليمة المحيطة بها. الباحث مين- تشي هونغ من مركز اندرسون للسرطان بجامعة تكساس، علّق على نهج زملائه بأن التقنية المستعملة مكملة للجراحة التقليدية، وهي تعمل وكأنها جراحة مجهرية لاستهداف الخلايا الخبيثة المتبقية. يبقى الحصول على نتائج مشابهة عند البشر، فإذا نجحت لديهم هذه المرة فإن نافذة جديدة ستفتح في سبيل القضاء على الخلايا السرطانية المارقة. ويحاول علماء من جامعة فرجينيا الأميركية تطوير علاج لداء كرون والتهاب القولون التقرحي باستخدام تقنية النانو، وقد نجحوا في تطوير مركبات مجهرية دقيقة الحجم تتمتع بفاعلية عالية في تثبيط بروتين معين متورط في اثارة المرضين اللذين يعدان من أشهر الأمراض الالتهابية التي تصيب الأمعاء جاعلة أصحابها يعيشون تحت رحمة عوارض منغصة للحياة، مثل مغص البطن الشديد، وفقدان الشهية، والحمى، والنزف الشرجي. ولفت الباحثون في الدراسة التي نُشرت في المجلة الطبية Colloids and surfaces b biointerfaces، إلى أن تلك المركبات المجهرية قد تساهم مستقبلاً في التخلي عن الأدوية الكلاسيكية المستعملة التي تملك آثاراً جانبية لا تطاق. وقريباً قد يمكن علاج قصر النظر وطول النظر باستعمال قطرات نانوية، وعندها يمكن أن نقول وداعاً للنظارات الطبية والعمليات الجراحية التي تهدف إلى تصحيح سوء الانكسار في العين لنرى بوضوح من دون حاجة الى تلك النظارات أو العدسات اللاصقة أو العمليات. وطور باحثون إسرائيليون قطرات جديدة للعين مستعملين تقنية النانو بهدف تصحيح أخطاء الانكسار في العين لتحل محل النظارات والعدسات اللاصقة وتساعد على رؤية الأشياء بوضوح من مسافات مختلفة. يبقى أن يباشر العلماء بالتجارب السريرية على الإنسان من أجل تقويم القطرات المشار اليها، وهي مقررة في وقت لاحق من هذا العام، وإذا نجحت، فإن هذا الاختراع سيحدث ثورة في علاج عيوب النظر الانكسارية. ومع ذلك ما زالت هناك أسئلة في حاجة الى إجابات، فالباحثون لم يوضحوا كيفية استعمال تلك القطرات، وكم مرة ينبغي أن تطبق القطرة لتحل محل النظارة كلياً، وهل محلول القطرات خال من السمية للبشر؟ ومن يدري، فقد نشهد في القريب العاجل حقن مرضى السكري بجسيمات نانوية دقيقة في الدم، ووضع بطارية في الرسغ تطلق إشعاعات تنبه الجسيمات التي تسبح في الدم لتعديل مستوى هرمون الأنسولين فيه حسب المعيار المطلوب تلقائياً، من دون الحاجة إلى تناول العقاقير المخفضة للسكر. في المختصر، إن الطب النانوي واعد جداً في التشخيص وفي العلاج، وقد ساعد التطور المتسارع في تقنيات النانو في تبديل القواعد التقليدية المتبعة في مواجهة أشد الأمراض فتكاً بالإنسان، فمرحباً به.