إعلان صغير غيّر مجرى حياته. فبعد تخرجه في كلية العلوم في جامعة عين شمس عام 1953 وتعيينه معيداً لفترة وجيزة، قرأ مصطفى السيد (أميركي مصري، من مواليد بلدة زفتا في محافظة الغربية) في جريدة «الأهرام» إعلاناً عن أستاذ في ولاية فلوريدا يوفّر بعض المنح التعليمية للدارسة في الولاياتالمتحدة. وسرعان ما حظيّ السيّد بواحدة منها والتحق بجامعة فلوريدا ونال دكتوراه في الكيمياء (1958). عمل السيّد باحثاً متنقلاً بين جامعات هارفرد و «يايل» و «معهد كاليفورنيا للتكنولوجيا» (يُعرف باسمه المختصر «كالتك»). ثم عيّن أستاذاّ في قسم الكيمياء في جامعة كاليفورنيا. ويعمل حاضراً أستاذاً لمادتي الكيمياء والبيوكيميا في «جامعة جيورجيا للتكنولوجيا»، إضافة لكونه مديراً ل «مختبر ديناميكيات الليزر» في «معهد جوليوس براون». خلال تلك الأعوام، تقلّد السيّد مراكز مهمة في مؤسسات علمية عدّة فتولى رئاسة تحرير «مجلة علوم الكيمياء الطبيعية»، وهي من المجلات العلمية البارزة، لمدة 24 عاماً. ومُنح لقب الزمالة من «أكاديمية العلوم والفنون الأميركية»، والزمالة الفخرية من «الجمعية الكيميائية الصينية»، وعُيّن أستاذاً زائراً في جامعة باريس، وانتُخِب عضواً في «الأكاديمية الوطنية (الأميركية) للعلوم»، و «الجمعية الأميركية للعلوم الطبيعية»، و «الجمعية الأميركية لتقدم العلوم»، و «أكاديمية العالم الثالث للعلوم»، واللجنة التوجيهية ل «المركز الدولي للكيمياء» في «تريستا» الإيطالية وغيرها. وكذلك ترأّس «مجلس العلوم الجزيئية» في جامعة «أوساكا» اليابانية، و «مركز أطياف الليزر» في «كالتك». عيّنة الرئيس المصري المخلوع حسني مبارك، عضواً في «المجلس الأعلى للعلوم والتكنولوجيا». ونال السيد وسام الجمهورية المصرية من الدرجة الأولى، و «جائزة الملك فيصل العالمية للعلوم»، و «الميدالية الذهبية الوطنية (الأميركية) للعلوم والتكنولوجيا والابتكار» ووسام أميركا في علم الكيمياء وغيرها. وفي 2008، منحه الرئيس الأميركي السابق جورج بوش «قلادة العلوم الوطنية الأميركية» في حفلة خاصة في البيت الأبيض، فكان أول عالِم عربي يحصل على هذا الوسام. وفي هذه الحفلة، تلي بيانٌ تكريمي جاء فيه: «يمنح الوسام الأعلى للعلوم في الولاياتالمتحدة إلى العالِم الأميركي مصطفى السيد تقديراً لمساهماته في التعرّف إلى الخصائص الإلكترونية والبصرية للمواد النانانوية، وتطبيق هذا في الطب النانوي». قصف نانوي للسرطان على نطاق واسع، يُنظر إلى السيّد باعتباره رائداً في تكنولوجيا النانو التي تتعامل مع المواد على مستوى ال «نانو»، وهو جزء من البليون من الشيء. واستعمل السيّد هذه التقنية في تحويل رقائق الذهب إلى «غبار» نانوي يمكنه المساهمة في علاج الأورام الخبيثة. وشرح السيّد نظريته قائلاً: «تفقد مادة الذهب خواصها حين يجري تفتيتها إلى غبار نانوي. وتُصبِح مادة مُحفّزة تتفاعل مع خلايا السرطان. ويؤدي ذلك إلى حدوث وميض في هذه الخلايا، يُلاحظ تحت المجهر بسهولة. فيما يتجنّب غبار الذهب الخلايا السليمة، فتبدو داكنة تحت المجهر. ويتجمع غبار الذهب النانوي ليشكل طبقة مضيئة على خلايا السرطان، فتبيدها خلال دقائق. وإذا تجمّع هذا الغبار في خلية سليمة، فإنه يتفتت من دون إحداث تأثير سلبي». نستطيع وصف هذا بالقول بأن غبار الذهب النانوي «يتعرّف» إلى خلايا الورم الخبيث، لكنه «لا يرى» الخلايا السليمة. وتمتصّ مادة نانو الذهب، ضوء الليزر عند تسليطه عليها بعد وصولها إلى الخلية السرطانية، فتُحوّل الليزر حرارة تستطيع أن «تذيب» خلايا الأورام الخبيثة». وأوضح السيّد أنه في مقياس ال «نانو» تعادل شعرة الإنسان 50 ألف نانو. وبيّن أن تكنولوجيا نانو الذهب لا تحتاج إلى تجهيزات ضخمة، كتلك المستعملة في الطب المرتكز على التكنولوجيا النووية. ويمكن استخدام نانو الذهب داخل المختبر عبر تقنيات وأجهزة بسيطة، سواء بالنسبة لتشخيص السرطان أم علاجه. ورأى أيضاً أن علاج الورم الخبيث ب «نانو» الذهب أقل كلفة. وأضاف: «يستطيع غرام من الذهب أن يعالج ألف مصاب بالسرطان». وتوقّع السيّد تطبيق تقنية نانو الذهب على الإنسان في غضون سنوات قليلة، مُشيراً إلى نجاح في علاج السرطان أثناء التجارب على الحيوانات، وبصورة مذهلة. ولفت إلى أن القيود الصارمة على التجارب العلمية على البشر في الولاياتالمتحدة، تحول دون الإسراع في اجرائها على المصابين بالسرطان إلا بعد التأكد من صحتها وسلامتها في شكل كامل. وأبدى أمله بأن يؤدي علاج السرطان بجزيئات نانو الذهب إلى المساهمة في إعطاء أمل جديد للمصابين بالأورام الخبيثة الذين يصل عددهم إلى 75 مليوناً في 2030، وفق توقّعات «منظمة الصحة العالمية». التواصل مع الوطن لم ينقطع السيّد عن التواصل مع مصر. وفي عام 2010، ألقى محاضرة في «مكتبة الإسكندرية» بعنوان «القضاء على الخلايا السرطانية باستخدام جزيئات الذهب النانونية»، بحضور نخبة من العلماء المصريين والعرب. وفي هذه المحاضرة، أكّد السيّد أن عام 2009 شهد أعلى نسبة وفيات بمرض السرطان، كذلك أعلى معدل انتشار لذلك المرض، وقد اكتشفت فيه قرابة 1.5 مليون حال جديدة في الولاياتالمتحدة. وقال: «إذا أردنا علاج شيء في أجسادنا علينا علاجه بأشياء في الحجم نفسه. لقد خلق الله أشياء في أجسادنا في حجم النانومتر (واحد على ألف من المليون من المتر)، مثل الحمض النووي الوراثي والبروتينات ومكوّنات الخلية». وتناول السيّد أحدث بحوثه في التكنولوجيا النانوية الدقيقة وتطبيقه لها على مركبات الذهب الدقيقة، كي تُستعمل في علاج السرطان. وأشار إلى أن الذهب لا يتفاعل مع الهواء، وحين تحوله إلى جزيئات من حجم النانو، يميل لونه إلى الأخضر. وتقدر هذه الجزيئات الدقيقة، التي تتراوح أحجامها بين 20 و30 نانومتراً، على الوصول للخلايا السرطانية والقضاء عليها. وشرح طريقة عمل مركبات الذهب الخُضر ضد السرطان، مبيّناً أن خلية السرطان تنتج بروتينات أكثر من الخلية العادية، وتتراكم الجزئيات الخُضر على الخلايا السرطانية وتدخل فيها. وبعدها، يُسلّط ضوء خاص عليها، فتصبح ظاهرة للطبيب المعالج. وكذلك تعمل تلك الجزئيات على تركيز أشعة الضوء والحرارة المتولدة عنها، على الخلايا السرطانية، ما يؤدي إلى تدميرها بنسبة 100 في المئة. وأوضح أن الضوء المستخدم في ذلك العلاج هو أشعة ليزر خفيفة جداً، تُسلّط ل 10 دقائق كي تمتصه جزيئات الذهب فتنتقل حرارته إلى الخلية وتقضي عليها. وأوضح السيّد أن الجسم يقدر أن يتخلص من جزيئات الذهب الأخضر في 15 ساعة، لكنها قد تظل في الكبد أو الطحال لقرابة الشهر. وأضاف أن جزيئات الذهب تعمل على وقف تكاثر خلايا الورم الخبيث، كما تعمل على إعادة اندماج الخلايا السرطانية المنقسمة، ما يجعل الخلية تموت تلقائياً بعد أن تجتمع نواتان فيها! وأوضح أن العلاج بجزيئات الذهب يتميّز بأنه يجري من دون جراحة، ما يجنّب المريض التعرض للبكتيريا أو الميكروبات. وطبق السيّد هذه النتائج بمشاركة نجله الدكتور إيفن السيّد أستاذ جراحة الأورام في جامعة كاليفورنيا، على خلايا سرطانية في حيوانات التجارب. وذكر أن الإشكالية البحثية حالياً تكمن في التأكّد من تأثير مركبات الذهب الدقيقة الخضر على جسم الإنسان، بعد أن تؤدي الغرض المطلوب منها، وكذلك الآثار الجانبية المتصلة بها. وأكد أن العلاج بجزيئات الذهب قد يصبح فعالاً بنسبة 90 في المئة بالنسبة إلى سرطان الثدي، خصوصاً أن واحدة من 7 سيدات تصاب به. وتوقع أن يحدث أمر مشابه بالنسبة إلى علاج سرطان البروستات، مشيراً إلى صعوبة في علاج سرطاني الرئة والدماغ نظراً إلى وجود عظام تحول دون تغلغل الضوء داخل الخلايا، وكذلك الحال بالنسبة إلى سرطان الكبد. وحاضراً، يشرف السيّد على بعض الباحثين المتميزين في «مركز بحوث جامعة القاهرة،» ممن يعملون على بعض تطبيقات النانو. وعلى رغم أن السيّد بات من كبار العلماء في الغرب مع ما يرافق هذا من مُعطيات مادياً ومعنوياً، إلا أن التغريب لم يتسرب إلى عقله ونفسه. وظل السيّد على وفائه لمصر وحبه لها، كما يظهر عملياً في حرصه على التواصل مع جامعاتها ومؤسساتها، وتعزيز الشراكة العلمية والبحثية بينها وبين مثيلاتها في الولاياتالمتحدة.