أنقرة - «الحياة»، رويترز - دون كل العواصم المعنية بالأزمة السورية، تبدو أنقرة بالذات أكثر العواصم تأثراً بالحدث السوري، فإلى جانب الحدود المشتركة والمخاوف من ازمة لاجئين، والعقوبات على دمشق وتأثيرها على تبادلات البلدين، هناك تداخلات اقليمية ودولية تجعل ما يحدث في الملف السوري له رجع في علاقات تركيا مع إيران واميركا وإسرائيل ودول اقليمية اخرى. وبالنظر إلى حجم الجهد والوقت الذي استثمر في بناء العلاقات التركية - السورية منذ التسعينات وحتى الآن، فإنه من غير المتوقع ان تقرر تركيا النأي بنفسها عن الملف السوري رغم التعقيدات. وتواجه أنقرة خطراً متنامياً يتمثل في امتداد الاضطرابات الاقتصادية والاجتماعية في سورية لاراضيها ويخشى البعض ان يؤدي تدفق اللاجئين السوريين لقيام القوات التركية بعمليات حدودية على مقربة من القوات السورية. ودفعت الحملة الامنية للنظام السوري ضد المعارضة علاقات دمشق التي كانت وثيقة مع تركيا في وقت ما ل «نقطة الانكسار»، خصوصاً بسبب الاستخدام المفرط للقوة ضد المتظاهرين الذي دفع نحو 12 الف سوري للنزوح شمالاً واللجوء لمخيمات في تركيا بينما تتحرك القوات السورية لغلق الحدود. واحتدت اللهجة التركية تجاه سورية وطالبت الرئيس السوري بشار الاسد علناً بالسير على طريق الاصلاح ووصفت حملته «بالوحشية»، ولكن محللين يقولون ان انقرة «لا زالت تأمل» بأن يغير الاسد موقفه. ويوم الجمعة الماضي قال أحمد داود أوغلو وزير الخارجية التركي إن الخطاب الذي القاه الاسد تضمن «عناصر ايجابية مثل اشارات الى الاصلاح» مضيفاً أن المهم أن يتبع اقواله بأفعال. وأوضح ديبلوماسي غربي على دراية بالمنظور التركي «يبدو الاتراك قلقين لغياب بدائل لنظام مستقر». وتابع «افضل آمالهم - رغم انهم ليسوا سذجاً - ان ينفذ الاسد بشكل ما اصلاحات ذات مغزى». وسورية، الحليفة القوية لإيران و «حزب الله»، في قلب العديد من الصراعات في الشرق الاوسط. وستقع تبعات عدم الاستقرار في سورية على تركيا التي تربطها حدود مشتركة مع العراق وايران ايضاً. وقال جاريث جنكينز وهو محلل امني في اسطنبول «الخوف من المجهول عامل رئيسي» في تحديد معالم السياسة الخارجية التركية حيال دمشق. وتابع «حزب العدالة والتنمية متحفظ جداً. يفضل التعامل مع الشيطان الذي يعرفه»، في اشارة للحزب الذي يتزعمه رئيس الوزراء رجب طيب اردوغان والذي حسّن علاقاته مع سورية ودول مسلمة اخرى في تغيير جذري لتوجهات السياسية التركية من الغرب إلى الشرق الاوسط وآسيا على اساس ان هذه المناطق امتداد جغرافي - استراتيجي لتركيا. لكن قد تقرر تركيا التخلي عن النظام السوري اذا ما انزلقت سورية نحو حرب اهلية بين جماعات طائفية وعرقية. وعلى رغم ان تركيا دولة غير عربية الا ان تركيبتها السكانية تتشابه مع سورية. وكتب مراد يتكين رئيس تحرير صحيفة «حرييت» اليومية في الآونة الاخيرة «يشير البعد الاستراتيجي والسياسي الى أن الاستقرار في سورية حيوي للاستقرار في الشرق الاوسط... ولكن هذا لا يعني دعم النظام الحالي بأي ثمن لأن الحكم البعثي لم يعد بوسعه توفير الاستقرار في ظل اصراره على سياسته الحالية». ومع تدفق اللاجئين على الحدود اوردت وسائل الاعلام ان القيادات السياسية والعسكرية في تركيا تدرس اقامة منطقة عازلة داخل سورية في حالة زيادة حادة في اعداد اللاجئين. وينفي مسؤولون ان لديهم دراية بمثل هذه الخطط. وزار قائد الجيش الثاني التركي قرية جويتشتشي الحدودية هذا الاسبوع ليطلع بنفسه على كيفية انتشار القوات السورية قرب الحدود ووضع اللاجئين. وباغت تدفق نحو 500 ألف شخص عبر الحدود من العراق تركيا ابان حرب الخليج في عام 1991 وبقي البعض في تركيا لفترة بعد انتهاء الحرب. وشهدت السنوات التالية تواجد مجموعات صغيرة من القوات التركية في «المنطقة العازلة» في شمال العراق. ولا ترحب دمشق بوجود قوات تركية على اراض سورية وكاد البلدان ان يخوضا حرباً في اواخر التسعينات بسبب ايواء سورية متمردين اكراداً اتراكاً. وما زالت انقرة تشهد توغلات لمتمردين اكراد يسعون لاقامة دولتهم في الجنوب والشرق. وتحرص تركيا على فتح حدودها امام حركة التجارة مع سورية وايران والعراق وفي نفس الوقت منع تسلل المتمردين. وقال جنكينز إن اقامة منطقة عازلة في سورية ينطوي على مخاطر في ظل مخاوف بعض الدول العربية من طموحات خارجية «عثمانية جديدة» للاتراك ولكنه ذكر ان انقرة ربما تضطر لاقامة المنطقة العازلة في حالة تدفق اعداد كبيرة من اللاجئين. وفشلت تركيا في استغلال ثقلها الاقتصادي لارغام دمشق على التغيير نظراً الى ان انقرة أكبر شريك تجاري لسورية الا انها تناور للتعامل مع اي تبعات. وقبل أشهر قليلة فقط عقدت تركيا وسورية اجتماعات حكومية ومناورات عسكرية مشتركة والغتا شرط الحصول على تأشيرة دخول. وفي وقت سابق من الشهر الجاري استضافت تركيا مؤتمراً لشخصيات سورية معارضة في مدينة انطاليا كما يعمل اعضاء من جماعة الاخوان المسلمين المحظورة من تركيا. وفي ذات الوقت لاحت بوادر تحسن في العلاقات الفاترة بين تركيا واسرائيل عدوة سورية. وتدهورت العلاقات التركية الاسرائيلية بشدة حين هاجمت قوات خاصة اسرائيلية قافلة بحرية تدعمها تركيا تحمل مساعدات لغزة العام الماضي وقتلت تسعة نشطاء اتراك. وقال سامح ايديز خبير السياسة الخارجية في صحيفة «ميليت» التركية «انهارت سياسة التقارب مع سورية كلياً ولكن سنرى تركيا تبحث عن هامش جديد للمناورة في ظل اي وضع يطرأ بدلاً من ان تبلغ نقطة تفقد فيها صبرها مع الاسد». كما قادت الازمة السورية لتعاون اوثق بين انقرة وواشنطن بعد خلافهما بشأن ايران. وناقش اردوغان الذي سبق ان امضى عطلة مع الاسد الأزمة السورية مرتين مع الرئيس الاميركي باراك اوباما على الهاتف في الآونة الاخيرة واتفقا في الرأي بشأن حاجة دمشق لتنفيذ اصلاحات. وقاد قمع الاحتجاجات لتصعيد تدريجي لعقوبات اقتصادية اميركية واوروبية ضد مسؤولين سوريين ولكن تركيا لا تقر العقوبات. وقال ديبلوماسي غربي في هذا الصدد «يمقت الاتراك العقوبات. عانى الاتراك كثيراً من عقوبات استمرت لفترات طويلة على العراق في ظل حكم الرئيس السابق صدام حسين والان في ايران».