عطّلت إضرابات وتظاهرات دعت إليها أبرز 7 نقابات، الحياة في فرنسا أمس، في يوم تعبئة شاركت فيه قطاعات مهنية وطالبية. وشهدت باريس ومدن فرنسية نحو 150 تظاهرة احتجاج على إصلاحات اعتمدها الرئيس إيمانويل ماكرون، ترافقت مع إضرابات أربكت حركة النقل العام وقطاعَي السكك الحديد والطيران، إضافة إلى القطاع التعليمي والدوائر الرسمية. واشتبك محتجون في مدينة نانت مع شرطة مكافحة الشغب التي استخدمت لتفريقهم خراطيم ماء وغازاً مسيلاً للدموع، فيما أعلنت السلطات إلغاء 30 في المئة من الرحلات، من باريس وإليها، وتوقف 60 في المئة من القطارات الفائقة السرعة عن العمل، ونصف رحلات القطارات الإقليمية، وإغلاق مدارس ورياض أطفال. ويشكّل يوم التعبئة بداية اضطرابات دورية، يعتزم العاملون في السكك الحديد تنظيمها، تعبيراً عن رفضهم خطة حكومية تُدخل تعديلات أساسية تطاول أوضاعهم. واعتُبرت التحركات «تحذيراً» للحكومة الفرنسية، ومواجهة مباشرة بينها وبين النقابات التي باتت تجسد القوة المعارضة الفعلية، بعد انهيار المعارضة الحزبية التي مثلها طيلة عقود، الحزبان الاشتراكي والجمهوري اليميني. وترافقت هذه الاحتجاجات مع استطلاع رأي أظهر أن 3 من كل 4 فرنسيين يرون أن «إصلاحات ماكرون» لإنعاش الوضع الاقتصادي الفرنسي ليست عادلة. ويعبّر هذا الاستطلاع عن انطباع يسود قطاعات فرنسية، بأن ماكرون يحمّل الفئات الأكثر فقراً عبئاً مترتباً على إصلاحاته التي تهدد بفقدان 120 ألف وظيفة بحلول عام 2022، ما جعل بعضهم يصفه ب «رئيس الأثرياء». وتُعدّ تحركات أمس، وما سيليها، بمثابة اختبار لقدرة ماكرون وحكومته على الصمود في وجه الشارع، وكذلك اختباراً لقدرة النقابات في الحفاظ على وحدتها وإصرارها على رفض خطط الحكومة. وأكد عضو المجلس الكونفيديرالي لنقابة «فورس أوفريير»، باسكال رافاجو، أن النقابات ترى في الاحتجاجات التي نُظمت أمس موعداً مفصلياً، في إطار جدول زمني متواصل في مواجهة حكومة «متسلطة». في المقابل، أكدت الحكومة الفرنسية عزمها على «الصمود وعدم التراجع» تحت وطأة ضغط الشارع، على رغم تخوفها من بلوغ الرأي العام حالاً من التصلّب. لذلك تسعى إلى فك ارتباط مع معارضي خطة إصلاح السكك الحديد، مع تأكيدها أهميتها في ظل تدهور في مستوى خدمات القطاع، يعاني منه الفرنسيون منذ سنوات، إضافة إلى تحركات مطلبية في قطاعات أخرى. وهذا ما عبّر عنه رئيس الحكومة إدوار فيليب، برفضه مقولة إن حكومته تخوض اختبار قوة مع المحتجين، وإصراره على محاورة النقابات والتشاور معها. كما أكد أنه وفريقه الحكومي يوليان كل أشكال الاستياء الاهتمام ذاته، اذ تعبّر عن «تطلعات الفرنسيين»، مستدركاً أن «ذلك لن يثنينا عن المضيّ في العمل». ويبدو أن اضطرار رئيس الحكومة السابق ألان جوبيه إلى العودة عن خطته لإصلاح نظام التقاعد، تحت وطأة ضغط الشارع عام 1995، لا يزال حاضراً في ذهن إدوار فيليب الذي تربطه به علاقة وثيقة.