على رغم دراسته في كلية الفنون التطبيقية وعمله في تصميم النسيج، إلا أنه التحق بالدراسة في معهد السينما، لكنه لم يكن تحولاً بغرض تغيير المهنة، ولكن دافعه دراسة ما يحب فقط، كما لم يكن شغفه بالفن طارئاً أو مفاجئاً، إذ كان نشطاً في مسرح الجامعة طوال سنوات الدراسة، وجاء التحول مصادفة ثم تدريجاً حين صنع أفلاماً راقت إلى الجمهور ومنها فيلمه الروائي القصير الأول «صباح الفل» 2006، والذي قامت ببطولته الفنانة هند صبري، وتوج بجوائز عدة محلية ودولية. أما مشروع تخرجه فجاء عن قصة لإبراهيم أصلان وهو الفيلم القصير «ساعة عصاري»، كما شارك بفيلمه القصير «حظر تجول» ضمن الفيلم الروائي الطويل الجماعي «18 يوم» مع تسعة مخرجين آخرين وعرض في مهرجان «كان» السينمائي 2011، وتدور أحداثه حول جوانب مختلفة للثمانية عشر يوماً التي جرت خلالها وقائع ثورة 25 كانون الثاني (يناير) سواء من قلب ميدان التحرير أو خارجه، وتطرق كل وجهات النظر سواء هؤلاء المشاركون في الثورة أم أولئك الرافضون إياها. وأثناء دراسة شريف البنداري للسينما عمل كمساعد مخرج في أفلام «لعبة الحب» مع المخرج محمد علي و «حالة حب» لسعد هنداوي، وتتابعت مسيرته الفنية، التي تبدو متمهلة. واستهل أعماله الروائية الطويلة عبر فيلم «علي معزة وإبراهيم» 2017. «الحياة» التقت شريف وكان هذا الحوار: شاركت في إخراج إحدى قصص فيلم «18 يوم» الذي عُرض في مهرجان كان لكنه لم يطرح في مصر إلا عبر اليوتيوب في 2017. وفي المقابل، أثار الجدل وطاوله الهجوم كيف تلقيت ذلك؟ وما تفسيرك له؟ - الهجوم على الفيلم ليس جديداً بل بدأ منذ العام 2011، ثم على العكس عندما عرض أخيراً، صارت الأوضاع وردود الأفعال حياله أقل وطأة لكون الجمهور اكتشف أن كل القلاقل والمزاعم تجاهه غير صحيحة. كنت ما زالت في بدايتي، وكان مستغرباً بالنسبة إليّ، وباعثاً على الانزعاج والفزع إقدام بعضهم على الهجوم على عمل لم يشاهدوه، إذ سادت حالة غريبة من الاحتقان آنذاك، بلغت حد التراشق والسباب وساد استقطاب واضح، وراودني تساؤل حول كيفية وصولنا إلى هذه الدرجة من التراجع، فبينما قمنا بثورة تعد أبسط مبادئها حرية الإبداع، يأتي بعضهم بعد شهور عدة من اندلاعها ليهاجم صناع عمل فني بدعوى أنهم أشخاص تسلقوا على الثورة ويريدون الاستفادة منها، لم أجد مبرراً أن يخالف بعضهم أفكارهم ويقفوا ضد حرية الإبداع التي طالما نادوا بها، لاسيما أن معظم المهاجمين من صناع الأفلام. مغامرة ولكن ... «علي معزة وإبراهيم» هو فيلمك الروائي الأول، ألا ترى أن في ذلك قدراً من المغامرة والمخاطرة أن تبدأ طريقك السينمائي بفيلم ذي قصة غريبة وفي إطار الفانتازيا، وهو نمط لا يجذب الجمهور المصري لا سيما مرتادي السينما، كما استعنت بفنانين ليسوا نجوم شباك؟! - أعترف أن الفيلم لم يحظ بالإقبال الجماهيري، وهذا العمل استغرقني خمس سنوات، إذ كنت أعمل على مشروع سينمائي آخر هو «أوضتين وصالة»، عن رواية للراحل إبراهيم أصلان، واستغرق وقتاً في التحضير ثم واجه عثرات وتأجيلاً نظراً لوفاة بطله الفنان محمود عبدالعزيز، فكان التوجه إلى المشروع الآخر اليسير والقابل للتنفيذ «علي معزة وإبراهيم»، مع المنتج نفسه محمد حفظي والمنتج المشارك حسام علوان، فانتقلنا للعمل عليه لاسيما أنه كان يحظى بإعجاب الجميع. وطرح الفيلم عام 2017، أي عقب تخرجي بعشر سنوات. تلك الرحلة الطويلة التي استغرقتها كانت ضريبة عملي على مشاريع أعرف أنها ليست تجارية وليس سهلاً أن يتحمس لها المنتجون أو الجمهور. ورغم أنني تلقيت عروضاً لصناعة أفلام ذات قالب تجاري غير أنني رفضت لكوني أطمح إلى صناعة السينما التي أريدها، والتي يتحمس لها الجمهور بعيداً من المعايير التجارية السائدة. باختصار وبساطة أريد صناعة سينما وأعمال أحبها حتى لو تأخرت خطواتي السينمائية. بالعودة إلى مشروعك السينمائي المؤجل «أوضتين وصالة»، أراك منجذباً لأعمال إبراهيم أصلان حتى مشروع تخرجك «ساعة عصاري» كان عن قصة للكاتب ذاته، ما يشي أنك تبدو قد وقعت في غرام نصوصه؟ - أحببت قصة «ساعة عصاري» حين نشرت في إحدى الصحف آنذاك، واحتفظت بها كقصاصة من فرط إعجابي بها، وأدركت أنها قد تكون نواة لفيلم جيد وبالفعل كتبت لها السيناريو وأخرجته. كما راقت لي روايته «حجرتان وصالة»، فأنا أرى أصلان أديباً مبهراً يحيل «التراب ذهباً» وتتسم أعماله بمساحة تمكنني من صناعة ما أحب، فهو يتحدث في الأدب في شكل يشبه ما يستهويني في السينما، لا يتطرق إلى الموضوعات الساخنة بل قضيته هي الإنسان، والبشر وأنا مثله في هذا تماماً، إذ إنني أحب الشخصيات والمواقف الحياتية شديدة العادية، التي يحول أصلان معها الدراما ومواقف الحياة اليومية العادية شديدة البساطة إلى أسلوب أدبي رفيع. ثمة جوائز دولية حصدها «علي معزة وإبراهيم»، ولم ينجح الفيلم جماهيرياً في مصر... ما تفسيرك؟ - يعد النجاح الجماهيري نسبياً لأن الفيلم وزع وعرض في فرنسا، ولاقى إقبالاً كبيراً، وهو أحد الأفلام المصرية القليلة التي وزعت في فرنسا بعد أفلام الراحل يوسف شاهين، وهو من أوائل الأفلام التي عرضت تجارياً، إضافة إلى أعمال محمد دياب. وكون «علي معزة وإبراهيم» أخذ هذه الفرصة وحظي بجمهور جيد، يعني أن فيه شيئاً جماهيرياً وقادراً على اجتذاب المشاهد، لكن المشكلة في الجمهور المصري وهو ما لا يمكنني تفسيره أو تحديد أسباب الخلل. غياب النجوم وفشل الأفلام ما الصعوبات التي تواجه المخرجين الشباب في بدايتهم وصادفتك في شكل خاص؟ - يعد السبب الرئيس لضعف الإقبال على العروض السينمائية في مصر هو خلو الأفلام من النجوم. في الماضي، كان فنانو الصف الأول يتحمسون للمشاركة في أفلام مختلفة لمخرجين جدد، حيث تمتعوا بالوعي الذي كان يجعلهم يخلقون حالة من التوازن بين المشاركة في أفلام تجارية، بالموازاة مع أنماط سينمائية أخرى وبينهم نور الشريف الذي قام ببطولة أول أفلام محمد خان «ضربة شمس»، بينما قام أحمد زكي ببطولة أول أعمال خيري بشارة «العوامة 70»، فيما تحمس محمود عبدالعزيز لدواد عبدالسيد وخاض بطولة «الكيت كات»، أما الآن فكل النجوم بلا استثناء لا يقدمون على ذلك، الوحيدة التي فعلتها هي هند صبري حيث وافقت على بطولة أول أفلامي القصيرة «صباح الفل». ومن ثم تكمن المشكلة الكبرى التي تواجهنا حالياً، أن ثمة حالة إقصاء لنوع الأفلام التي نريد إخراجها، رغم أنها تحوي الكثير من عناصر السينما التجارية، لكنها لا تشبه ما اعتاده النجوم الذين لا يتحمسون بل يرفضون مثل تلك النوعية تماماً. لكن الكاتب الكبير وحيد حامد كان له رأي آخر فيك، فخلال مقابلة معه أكد لي أنه تحمس لك للغاية واختارك لإخراج الجزء الثاني من «الجماعة» بعد اعتذار المخرج محمد ياسين؟ - عُدّ شرفاً كبيراً أن يختارني حامد، ما كان باعثاً على استغرابي مثل الجميع، لكن المؤكد أن العمل معه منحني قدراً كبيراً من الثقة. كنت متشككاً، وكان هو متأكداً. تشككت في نفسي بينما أولاني هو ثقة بالغة في قدراتي، وهي تجربة إنسانية وعملية منحتني خبرة لم أكن لأكتسبها ولو عبر 20 عاماً، وسار العمل بطريقة شديدة الاحترافية وفقاً للسائد في العلاقة بين المخرج والمؤلف، نتحدث ونناقش من دون إملاءات. هل «الجماعة 2» تمثل بداية تحولك نحو مزيد من الإخراج التلفزيوني؟ - يستهويني إخراج المسلسلات، وسيكون ذلك بجانب فيلمي الذي أود استكماله وهو «أوضتين وصالة»، إذ سأشرع في العمل عليه مجدداً عقب شهر رمضان المقبل. ما توقعك بالنسبة إلى مستقبل الدراما التلفزيونية؟ - لا شك في أن ثمة تحولات وتغييراً في الخريطة التلفزيونية في العالم وليس مصر فقط، هناك عدد من المسلسلات الضخمة التي خرجت للنور على «نيتفليكس» و «اتش بي أو» وغيرهما، وتضم نجوماً كباراً ومخرجين مهمين ويتم إنتاجها بسخاء. كما تتغير خريطة المنوعات والترفيه وتنتقل من المشاركة الجماعية والذهاب إلى دور السينما وتنحصر في لجوء الجمهور إلى المشاهدة المنزلية في شكل منفرد، وهذا يرتبط بالتقدم التكنولوجي، وتطور التواصل الاجتماعي، بيد أنني لا يمكنني التكهن إلى أين ستؤدي بنا تلك التطورات مستقبلاً. بين السيطرة والديكتاتورية قلت إنك تهوي السيطرة في العمل، هل ترى أن من مواصفات المخرج الناحج أن يكون ديكتاتوراً؟ - قد أكون مصيباً أو مخطئاً لكنها طبيعتي. فهذا ليس قراراً بل عمل المخرج هو ما يفرض ذلك بحكم امتلاكه بعض المعلومات ورؤية معينة والتي تتحول إلى شكل أوامر وتحركات للفنانين والكاميرا، فالأمر يتطلب مخرجاً يرى الصورة جيداً، والتي تتحول تدريحاً إلى متطلبات ومن هنا تأتي «السيطرة». وثمة فارق بين السيطرة والديكتاتورية، فالأولى تعني التحكم في التفاصيل الدقيقة فقط، أما الديكتاتورية فهي التحكم في أدق التفاصيل من وجهة نظر فردية فقط لكنني أنصت لآراء باقي فريق العمل ومنهم الممثلون والمؤلف ومدير التصوير وحتى مساعد المخرج. تشارك في كتابة أفلامك، كما أنك تعد رسالة ماجستير حول «سينما المؤلف»، كيف ترى هذه السينما؟ - أعتبر «سينما المؤلف» تعبيراً حقيقياً عن علاقة المخرج بالعالم من حوله وكيف يراه، إذ تكون انعكاساً لرؤيتي واهتماماتي، وما يشغلني وما أريد الحديث عنه، فلا يكون مجرد فيلم بقدر ما يعكس علاقتي بالعالم من حولي، كما أنها وسيلة أقوى للتعبير عن النفس.