إذا كان هدف إنشاء «بي بي سي» العربية «مكافحة الإرهاب والدعايات المؤسسة له»، كما قال يوماً رئيس الوزراء البريطاني السابق غوردن براون، فإن إعلان وزير الخارجية البريطاني وليام هيغ أن وزارته ستقدم دعماً حكومياً إضافياً للقناة، يطرح السؤال القديم الجديد: هل هدف القنوات الغربية الناطقة بالعربية غزو منطقتنا لتغيير الذهنيات فالأنظمة، أم هو مجرد انفتاح على سوق إعلامية عربية تتنامى في شكل مضطرد؟ أغلب الظن ان قنوات مموّلة من الحكومات لا يمكن ان تكون بمنأى من أجندات معدة سلفاً. لكنّ السؤال الأهم يبقى: الى أي مدى استطاعت هذه القنوات ان تخترق جمهوراً عربياً لا تعوزه نظرية المؤامرة والأفكار المسبقة حول القنوات الأجنبية، انطلاقاً من تجربته الأولى مع قناة «الحرة» وتوقيت انطلاقتها؟ ربما يكمن الجواب في إحصاءات تشير الى ان الفضاء العربي الذي تسبح فيه نحو 700 قناة، لا تحتل فيه أي قناة أجنبية ناطقة بلغة الضاد مرتبة أدنى من الخمسين في نسبة المشاهدة. بالتالي فإن الحديث عن منافسة جدية بين هذه القنوات وقناتي «الجزيرة» و «العربية» الأكثر انتشاراً، لا يزال حلماً... لكنه قد لا يعود بعيد المنال قريباً، خصوصاً ان «الربيع العربي» زاد حظوظ هذه القنوات، مضاعفاً عدد مشاهديها بعدما هجر عدد من الجمهور قنواته الرسمية التي لا تعتبر أكثر من بوق للسلطة، بينما لم يتفق آخرون مع نهج «الجزيرة» أو «العربية» في عدد من المحطات، فراحوا يبحثون عن قنوات أخرى تجرؤ على قول ما لا يُقال، أو على الأقل تحاول ان تقدم وجهتي النظر، وإن كان واضحاً انسياقها لناحية هذا الفريق أو ذاك. انطلاقاً من هنا، صار في إمكان رئيس «فرانس 24» آلان دو بوزياك ان يُفاخر بوصول عدد مشاهدي الخدمة العربية لمحطته الى 6 ملايين، ما جعلها قادرة على منافسة «الجزيرة» و «العربية». وصار في إمكان الخارجية البريطانية مكافأة الخدمة العربية في «بي بي سي» بزيادة 2.2 مليون جنيه إسترليني على مدى السنوات الثلاث المقبلة، كما أكد وليام هيغ ل «عملها الرائع في المنطقة، ولكي تستطيع الحفاظ على مستواها». ولا شك في ان هذه المحطة و «فرانس 24» استطاعتا ان تخترقا العالم العربي أكثر من أي قناة اجنبية أخرى ناطقة بالعربية. ف «فرانس 24» باتجاهها نحو المغرب العربي بعدما أهملته الفضائيات طويلاً، وبمؤازرتها «ثورة الياسمين»، وتحقيق سبق إضرام محمد بو عزيزي النار بنفسه، عرفت كيف تقطف النجاح. أما «بي بي سي» عربي، فتتكئ على سمعة محترمة لشبكة عُرفت منذ عقود طويلة بمهنيتها واحترافها، وكانت للجمهور العربي تجربة طيبة معها أيام عز الراديو. اليوم، أمام الفضائيات الأجنبية الناطقة بلغة الضاد فرصة ثمينة لإثبات موقعها واستقطاب الجماهير العربية في ظل الحراك السياسي في المنطقة والتغيرات الكبيرة، فهل يضرب «الربيع العربي» خريف هذه الفضائيات؟