لسنا ندري كيف استقبل الصحافي الفرنسي ريشار لابفيير خبر زيارة مديرة قطاع الإعلام الفرنسي الموجه الى الخارج (يضم «فرانس 24» و «راديو مونت كارلو» و«راديو فرانس انترناسيونال» و «تي في 5 موند») كريستين اوكرنت سورية بعد طول غياب. ولسنا ندري كيف أتى رد فعل أولئك الذين دعموه في اعتبار سياسة اوكرنت «المناصرة للولايات المتحدة وإسرائيل» السبب الرئيس في إقالته من «راديو فرانس انترناسيونال» أواخر عام 2008 على خلفية حوار أجراه مع الرئيس السوري بشار الأسد، وخالف به توجهات إدارته... غاب لابفيير المحسوب على المحور الإيراني-السوري عن الزيارة، وحضرت اوكرنت بهدوء الى سورية بمشاريعها الطموحة الهادفة لتوسيع انتشار الإعلام الفرنسي في الخارج بعيداً من السياسة، وإن في الظاهر فقط. «كان مهماً جداً أن أزور سورية»، تقول أوكرنت ل «الحياة» أثناء مرورها ببيروت، وتضيف: «منذ فترة طويلة لم أتوجه الى دمشق، من هنا لمست خلال هذه الزيارة تغيرات كبيرة. وشعرت أن المجتمع المدني، خصوصاً رجال الأعمال وأهل الثقافة، لديهم رغبة كبيرة بالانفتاح على الخارج والمشاركة. وأعتقد أننا كوسائل إعلام هدفنا تغذية هذه الحاجة». التوقيت المناسب وإذا كانت القناة الفرنسية الناطقة بالعربية وصلت متأخرة الى المنطقة، إلا انها وصلت في الوقت المناسب، كما تقول اوكرنت، «فمع الثورة التكنولوجية وعصر الانترنت بات على كل وسائل الإعلام، سواء الصحافة المكتوبة أم التلفزة التقليدية، أن تعيد النظر في المحتوى، وتركز على مضمون عصري يتماشى مع طموح الجمهور. فمن المثير أن تتحملي مسؤولية وسائل إعلام في طور الانتشار، في الوقت الذي تغيرت فيه عادات المستهلكين. المستهلك اليوم هو صاحب السلطة. وقد اختلف المشهد كثيراً بين ما ألفته في بداياتي حين كان ينتظر الجمهور نشرة الساعة الثامنة، خصوصاً انه لم يكن هناك إلا ثلاث قنوات، والواقع اليوم مع هذه الفورة في وسائل الاتصال ووصول القنوات الفرنسية الى نحو 400 قناة». وتشير اوكرنت الى «أن العالم العربي من أولويات الإعلام الرسمي الفرنسي الموجه للخارج والدليل أن «فرانس 24» تنطق حتى الآن بثلاث لغات، هي بالإضافة الى الفرنسية والانكليزية، العربية». ولكن لماذا كل هذا الاهتمام؟ تجيب: «كان لفرنسا دوماً مكانة خاصة في المنطقة العربية. ولا سبب يدفعنا لنترك الساحة للأميركيين والبريطانيين والروس والصينيين والإيرانيين. فنحن أيضاً موجودون، ونعرف أن «فرنسا 24» استطاعت أن تخلق لنفسها مكانة خاصة. صحيح لم نصبح بعد قناة عالمية، ولا يزال بثنا في الولاياتالمتحدة غير مكتمل، لكننا نبذل جهوداً للوصول الى ما نريد. وسنبث في الولاياتالمتحدة في النصف الثاني من السنة، ونأمل أن نصل الى الهند نهاية العام. عموماً، حيث نحن موجودون، حققنا نتائج لا بأس بها خلال 3 سنوات، واستطعنا أن نصل الى 21 مليون مشاهد». وترى اوكرنت أن ميزة «فرانس 24» رهانها على المضمون. «ومن المثير أن نلبي أذواق الجمهور بالطريقة الفضلى من خلال محتوى نوعي. لا شك في أننا نعتمد على الأخبار لكننا نكرس حيزاً واسعاً للثقافة والمواد الاجتماعية ونركز على دور المرأة في المجتمع لأننا مقتنعون أن من خلال المرأة تتغير المجتمعات نحو الأفضل... كل هذا في إطار يتماشى ومختلف وسائل الاتصال، سواء التلفزيون بالمعنى التقليدي للكلمة أو الكمبيوتر أو الهاتف المحمول... وفي هذا الصدد بإمكاننا أن نكون مثلاً على موقع الصحف الدولية الكبيرة. إذ عقدنا مثلاً اتفاقاً مع «نيويورك تايمز» لبث شرائط الفيديو الخاصة بنا على موقعهم الإلكتروني. وفي هذا السياق كانت الصور الأولى التي عرضتها «نيويورك تايمز» عن الهزة الأرضية التي ضربت تاهيتي، صور «فرانس 24». ومع هذا لم تتمكن «فرانس 24» من تحقيق الاختراق المطلوب في العالم العربي، ولا يزال كثر يفضلون «بي بي سي» على أي إعلام خارجي آخر، فإلام يعود السبب؟ «بداية عدم بث «فرانس 24» باللغة العربية على مدار اليوم يؤثر حكماً. من هنا سنضاعف بثنا الشهر المقبل ليصل الى حدود 15 ساعة في اليوم، وصولاً الى بث كامل العام المقبل. ثم يجب ألا ننسى أننا قناة فتية لا تزال في سنتها الثالثة فحسب، ولا شك في أن المنافسة كبيرة وسط هذا الكمّ الكبير من الفضائيات ذات الإمكانات الهائلة، علماً أن موازنة «فرانس 24» باللغات الثلاث هي 100 مليون يورو. أما لماذا «بي بي سي» فالسبب بسيط. هي أولاً ذات تاريخ عريق، والراديو التابعة لها ممتاز كما التلفزيون. ثم هناك الأقدمية. ولا شك في أنهم ارتكبوا خطأ حين أوقفوا خدمة البث العربي التلفزيونية قبل سنوات، ما سمح ل «الجزيرة» بأن تبصر النور بالاستناد على كفاءات قدامى «بي بي سي». طبعاً عدلوا عن الخطأ في ما بعد، ولكن بعد أن سبقتهم دول كثيرة. عموماً، وعلى رغم إعجابي الشديد ب «بي بي سي»، لا يمكن القول انها الوحيدة الموجودة على الساحة. واعتقد أن الجيل القديم هو الذي يفكر بهذه الطريقة لكونه تربى على هذه الشبكة الإعلامية، أما جمهور الشباب فهم في بحث دائم عن الجديد وعن وسائل الإعلام التي تلبي طموحاتهم». وإذا كانت اوكرنت في حديثها عن سبب انكفاء المشاهد العربي عن المحطات الغربية الناطقة بلغة الضاد أغفلت العامل السياسي، أي تنفيذ كل محطة أجندة سياسية تخدم مصالحها، فإنها تفاخر بتقاليد فرنسا في ما خصّ الحريات، وتقول: «الحريات الإعلامية في فرنسا مقدسة. ثم إن وسائل الإعلام ممولة من الدولة لا من الحكومة. ويجب عدم الخلط بين الاثنين، فالحكومة تتغير والدولة باقية. أما المال الذي يصرف على هذه القنوات فهو مال الشعب الذي يحصّل من الضرائب التي تساعد على تمويل نشاطاتنا. وهذا لا يعني أننا ملزمون بأن نطيع برنامجاً وضعته الحكومة». ولكن هل لا تزال هذه الحريات مُصانة في عهد ساركوزي، خصوصاً في ظل الضجة التي اتهمت الرئيس الفرنسي بوضع يده على «فرانس تلفزيون» أي مجموعة التلفزيونات الفرنسية الرسمية، واتخاذ جملة إجراءات تلفزيونية اعتبرت سابقة لجهة تدخل رئيس فرنسي بعمل الشاشة الصغيرة؟ «ساركوزي ابن عصره. وهذا ما يميزه عن سواه من رؤساء فرنسا السابقين. فنحن اعتدنا على رؤساء طاعنين في السن، ولم يكونوا من عمر التلفزيون. صحيح لست معنية بهذه الضجة المثارة من حول الرئيس، ولكن يمكنني القول إن آلية عمل وسائل الإعلام الفرنسية الرسمية، آلية حرة. فإذا نظرتم الى نشرة أخبار «فرانس2» أو «فرانس3» لا تشاهدون أخباراً في خدمة ساركوزي، بل قد تُفاجأون في غالب الأوقات بالعكس. باختصار: ساذج من يظن أن هذه التدخلات لم تكن موجودة سابقاً. ومخطئ من يفكر أن القنوات الرسمية الفرنسية تُبجّل ساركوزي». «الأميرة كريستين» أوكرنت صاحبة لقب «الأميرة كريستين» خاضت التجربة الصحافية بمختلف أوجهها. فهي أول امرأة في فرنسا استلمت زمام رئاسة تحرير نشرة الثامنة وتقديمها. و «هي الوحيدة التي استقالت من هذه المهمة لمرتين»، كما تقول، «لشعوري في مرحلة من المراحل إنني لا استطيع أن أمارس دوري بحرية على الصعيد السياسي»، وكان ذلك قبل أن تتفرغ للربورتاجات وتتسلم رئاسة تحرير مجلة «اكسبرس» مروراً بتجربة إذاعية وإنشاء موقع إلكتروني وصولاً الى عملها الحالي. فهل تحنّ الى زمن كانت تقف فيه أمام الكاميرا لا خلفها؟ تجيب بابتسامة عريضة: «على الإطلاق. فلكل تجربة إعلامية مكانتها عندي. ومن الرائع أن تدخلي في تجارب جديدة على الدوام. من هنا لا افهم أولئك الذين يستقرون في مكان واحد. فأن تظلي 25 سنة جالسة على كرسي نشرة الأخبار لتحيي الجمهور يوماً بعد يوم سجن لا يمكن وصفه. من هنا روعة مهنة الصحافة، إذ انها تتيح لك اختبار أنواع كثيرة من المهن، وأن تلعبي أدواراً مختلفة. من هنا أرى أن عملي هذا فرصة رائعة في هذه المرحلة من مسيرتي المهنية. فأن أكون مديرة مجموعة إعلامية تحت إدارة الرئيس الذي أحبه آلان دو بوزياك ومع أشخاص احترمهم كثيراً مثل مديرة القسم العربي ل «فرانس 24» ناهدة نكد، تجربة لا تعوّض».