لاقى خطاب الرئيس الأميركي باراك أوباما والذي أعلن فيه سحب 33 ألف جندي من أفغانستان بحلول الصيف المقبل، ترحيباً في عواصم التحالف التي سارع بعضها مثل باريس وبرلينولندن الى الإعلان عن خطوات مماثلة تمهد لتسلم القوات الأفغانية مسؤولية الأمن في بلادها. واستقبلت كابول هذه الإعلانات بالترحيب مبدية استعدادها لتحمل المسؤولية، فيما شككت «طالبان» بالإعلان الأميركي وأكدت عزمها على مواصلة القتال. وتوقعت الصين انتقالاً سلمياً ومستقراً للمسؤوليات الأمنية في أفغانستان. وقوبل إعلان أوباما بدء الانسحاب، بترحيب حذر من الأوساط السياسية الأميركية والتي رأت أن النهج الوسطي يضمن إبقاء الضغط على «القاعدة» و «طالبان» ويمهد في الوقت ذاته لما سماه الرئيس الأميركي «بداية النهاية» للحرب الأطول في التاريخ الأميركي. أعلن الرئيس الأميركي في خطاب مقتضب استمر 13 دقيقة، أنه سيسحب 10 آلاف جندي من أفغانستان ابتداء من الشهر المقبل وحتى نهاية العام وأن إجمالي عدد الجنود الذين ستشملهم خطة خفض القوات سيصل الى 33 ألفاً بحلول صيف 2012، وإلى حين استكمال الانسحاب بالكامل وتسليم القوات الأفغانية مهام الأمن في 2014. وكان واضحاً أن الخطاب موجه للداخل الأميركي الذي يبدي تحفظات أكبر على الحرب وتكلفتها الاقتصادية (أكثر من بليون دولار في العام)، إذ خاطب أوباما القاعدة الحزبية الليبرالية المعارضة للحرب بالقول إن «مدّ الحرب بدأ ينحسر»، فيما أكد للشريحة المستقلة من الأميركيين أن هذا الانسحاب «يتم من موقع قوة» وبعد مقتل أسامة بن لادن وتبعثر تنظيم «القاعدة». وقال أوباما: «حان الوقت للتركيز على بناء الأمة هنا في الداخل»، وتحضيراً للحملة الانتخابية في 2012 والتي ستكون الورقة الاقتصادية عاملاً أساسياً فيها. ورأى معلقون بينهم ديفيد أغناثيوس في صحيفة «واشنطن بوست» أن خطاب أوباما وبخلاف إعلانه الزيادة العسكرية في 2009، ينسجم أكثر مع موقعه كقائد أعلى للقوات، وكونه هذه المرة افترق قليلاً عن القيادة العسكرية والتي كانت تحبذ سحب نسبة أقل من القوات. وأشار أغناثيوس إلى أن أوباما يتجه نحو نهج لمحاربة الإرهاب في المدى الأبعد في أفغانستانوباكستان، إنما ستضمن الأعداد التي أعلن سحبها إبقاء الضغط على «القاعدة» و «طالبان» في المرحلة المقبلة. وأكد أوباما في الخطاب أن الولاياتالمتحدة ستنضم الى مبادرات تهدف إلى تحقيق المصالحة بين فئات الشعب الأفغاني بما في ذلك حركة «طالبان» مع تعزيز قدرات الحكومة الأفغانية وقوات الأمن، وقال الرئيس الأميركي: «هذه هي البداية وليس النهاية لمسعانا لإنهاء هذه الحرب»، مضيفاً أن تحديات ضخمة باقية في أفغانستان. وقال أيضاً ان الولاياتالمتحدة ستستضيف قمة لحلف شمال الأطلسي في شيكاغو في أيار (مايو) 2012 لتحديد معالم المرحلة المقبلة من العملية الانتقالية في أفغانستان. وفي الكونغرس، لاقى الخطاب أصداء إيجابية لدى الكثير من النواب من الحزبين كونه يعيد الأولوية للوضع الداخلي والشأن الاقتصادي. غير أن رئيسة لجنة العلاقات الخارجية في مجلس النواب إيليانا روس ليتينن حذرت من أن يترك الانسحاب فراغاً يعيد ملأه المتطرفون في أفغانستان، فيما نبه زعيم الجمهوريين جون باينر من الانسحاب السريع. ألمانيا في برلين، قال وزير الخارجية الألماني غيدو فيسترفيلله أمس، إن سياسة الحكومة الألمانية إزاء أفغانستان «تنتقل الآن إلى مرحلة جديدة». وبعد أن أشار إلى «أن آفاق الانسحاب تصبح شهراً بعد شهر أكثر تحديداً»، ذكر أن القوات الألمانية ستبدأ في الصيف المقبل مناطقياً في تسليم المسؤوليات إلى القوى الأمنية الأفغانية. وأضاف أن هذه الخطوة «ستؤمن الشروط المطلوبة لبدء أول انسحاب للقوات الألمانية من أفغانستان في نهاية هذا العام» على أن ينتهي الانسحاب عام 2014 على الأرجح. ولفت فيسترفيلله إلى أن المرحلة الجديدة المنتظرة «هي نتيجة تغيير في استراتيجية بلاده إزاء أفغانستان» أقرّت مطلع العام الماضي في مؤتمر لندن الدولي. وقال إن حكومته التي تسعى للوصول إلى حل سياسي في البلد وعقد مصالحة بين الأطراف المعنية، «مقتنعة بأن هذا السبيل يؤمن، إلى جانب الاستمرار في تسليم المسؤوليات إلى القوى الأمنية الأفغانية، تحديد آفاق الانسحاب أكثر فأكثر لنا». وذكرت مصادر الوزارة في برلين أن القوات الألمانية في مدينة مزار الشريف الواقعة في شمال البلاد ستبدأ قريباً عملية تسليم المنطقة التي تشرف عليها إلى القوات الأفغانية، وهي تشمل ثلاث محافظات وأربع مدن يعيش فيها ربع عدد سكان أفغانستان. وأوضح وزير الخارجية أن عام 2014 هو هدف موضوع للانسحاب الكامل، وأن تحديده تم مع شركاء ألمانيا الدوليين المشاركين في قوة «إيساف»، وخصوصاً مع الرئيس الأفغاني كارزاي. فرنسا في الوقت ذاته، أعلنت الرئاسة الفرنسية في بيان لها عن انسحاب تدريجي لحوالى 4 آلاف جندي فرنسي من أفغانستان. وأشار البيان الى أن فرنسا تشاطر الولاياتالمتحدة في تحليلها للوضع الأفغاني كما تشاطر الأهداف الأميركية وترحب بالقرار الصادر عن الرئيس الأميركي باراك أوباما. وأضاف أن في ضوء التقدم الذي سجل على صعيد الوضع الأفغاني فإن فرنسا ستعتمد خطة انسحاب تدريجي لقوات الإسناد التي أرسلتها الى أفغانستان بطريقة نسبية ووفقاً لبرنامج زمني مماثل لبرنامج الانسحاب الأميركي. ويذكر أن فرنسا الموجودة على الأرض في أفغانستان منذ عام 2001، فقدت حتى الآن 26 من جنودها في أماكن متفرقة من الأراضي الأفغانية. وأكد البيان أن الانسحاب سيتم بالتشاور مع الحلفاء في أفغانستان وأن الرئيس نيكولا ساركوزي بحث الموضوع مع نظيره الأميركي قبيل إدلاء الأخير بخطابه أول من أمس. ولفت البيان الى أن نهج الانتقال التدريجي للمسؤليات الأمنية الى الأفغان سيستمر حتى عام 2014 و ذلك وفقاً للأهداف التي اتفق عليها في قمة حلف شمال الأطلسي في لشبونة عام 2010. وأوضح وزير الدفاع الفرنسي جيرار لونغيه في هذا الشأن الى إذاعة «فرانس أنفو» أن الجنود الفرنسيين كافة قد ينهون انسحابهم من أفغانستان عام 2013. ورفض لونغيه الكشف عن تفاصيل هذا الانسحاب مشيراً الى أنه لا يرغب بتزويد «طالبان الذين لا يزالون أعداءنا بهذا النوع من المعلومات». لكنه أشار الى أن الانسحاب سيكون ملحوظاً خلال عام 2011. بريطانيا وقال رئيس الوزراء البريطاني ديفيد كامرون إن خفض حجم القوات الأميركية في أفغانستان لن يؤدي إلى الحد من الضغوط على التمرد القائم هناك. كذلك أعلن وزير الخارجية البريطاني وليام هيغ أن لندن على اتصال بمقاتلي «طالبان» للمساعدة في تمهيد الطريق نحو سلام في أفغانستان. وقال هيغ لهيئة الإذاعة البريطانية (بي بي سي) إن «اتصالات تجرى مع طالبان. أعتقد أن من الانصاف لنا أن نقول رسمياً ذلك».وأوضح أن «بريطانيا كانت في طليعة الداعين لإجراء مصالحة في افغانستان». وكان هيغ يتحدث من باكستان التي زارها لإجراء مشاورات حول الوضع الأفغاني. وأكدت بكين أمس، احترامها استقلال أفغانستان وسيادتها، وأعلنت أنها تتوقع انتقالاً سلمياً ومستقراً للمسؤوليات الأمنية هناك. وأوردت وكالة أنباء الصين الجديدة (شينخوا) أن هذا الموقف جاء تعليقاً على قرار أوباما. ونقلت «شينخوا» عن الناطق باسم الخارجية هونغ لي قوله إن الصين «تأمل بأن تتحمل الأطراف المعنية المسؤولية في نقل السلطة الأمنية إلى أفغانستان ومساعدة البلاد في تعزيز قدرتها الأمنية لضمان انتقال سلمي ومستقر للسلطة الأمنية فيها (من القوات الدولية)». كارزاي و «طالبان» ورحب الرئيس الأفغاني بإعلان أوباما بدء انسحاب القوات الأميركية من أفغانستان، فيما بدا المواطنون الأفغان منقسمين حول إعلان الرئيس الأميركي سحب عشرات آلاف الجنود الأميركيين بعد عقد على الحرب. وعبّر بعض الأفغان عن أمله في أن يؤدي ذلك الى خفض العنف في بلد شهد سنوات من القتال، فيما قال آخرون إن الخطوة يمكن أن تغرق بلادهم في المزيد من الفوضى فيما تعتزم القوات الدولية الانسحاب في شكل كامل في عام 2014. وقال كارزاي للصحافيين في كابول: «نرحب بإعلان رئيس الولاياتالمتحدة»، مؤكداً أنها «خطوة جيدة لهم ولأفغانستان ونحن ندعمها». في المقابل اعتبرت «طالبان» في بيان أن إعلان الرئيس الأميركي عن بدء سحب القوات من أفغانستان «مجرد خطوة رمزية» غير كافية. وجاء في البيان أن «طالبان تعتبر هذا الإعلان الذي ينص على سحب 10 آلاف جندي هذا العام مجرد خطوة رمزية لن ترضي المجتمع الدولي ولا الشعب الأميركي اللذين أنهكتهما الحرب». واتهم البيان الولاياتالمتحدة بأنها «تعطي أمتها باستمرار آمالاً زائفة بإنهاء هذه الحرب وتطلق ادعاءات بالنصر لا أساس لها». وكررت الحركة أن حل الأزمة الأفغانية «يكمن في الانسحاب الكامل لجميع القوات الأجنبية على الفور» متوعدة ب «تصعيد كفاحنا المسلح يوماً بعد يوم» حتى تحقيق ذلك. واتهمت «طالبان» أوباما ب «عدم احترام» المطالب بوقف النزاع وانتقدت المفاوضات الجارية بين واشنطن والحكومة الأفغانية في شأن اتفاق شراكة استراتيجية بعيدة المدى محذرة من ان مثل هذا التحالف سيؤجج النزاع. ولم يأت بيان «طالبان» على ذكر إعلان كابول ثم واشنطن عن اتصالات «تمهيدية» مع الحركة بهدف إجراء مفاوضات. ورحب الناطق باسم وزارة الدفاع الأفغانية محمد زهير عظيمي بالقرار مقللاً من شأن المخاوف حول قدرة القوات الأمنية الأفغانية على الإمساك بزمام الأمور. وقال أن «القوات الأمنية لا سيما الجيش الوطني الأفغاني على استعداد لملء هذا الفراغ». وأضاف «يجب أن يقال بوضوح إن لا داعي لأي قلق حيال ضمان الأمن واستمرارية العمليات المخطط لها مع انسحاب هؤلاء الجنود من أفغانستان». وعلى رغم أن لم يتضح بعد من أي مناطق ستنسحب القوات الأميركية، إلا أن من المرتقب نقل السلطات الأمنية من القوات الدولية الى القوات الأمنية الأفغانية في سبع مناطق في أفغانستان اعتباراً من الشهر المقبل في إطار المرحلة الأولى من الانسحاب. وإحدى المناطق هي لشكر جاه عاصمة ولاية هلمند جنوب البلاد التي تشهد اضطراباً. وعلى رغم انها قريبة من أقاليم أخرى تعتبر شديدة الخطورة إلا أن البلدة بحد ذاتها تعتبر آمنة الى حد يسمح بنقل السلطات الى القوات الأمنية الأفغانية. لكن السكان المحليين يشككون في هذه الخطوة.