بعد أن استضافت مؤتمراً دولياً ضمّ شركات المعلوماتية العملاقة وإعلاميين ومحللين إستراتيجيين واختصاصيين في الشبكات الرقمية والاتصالات المتطورة، توصّلت سنغافورة إلى صوغ رؤيتها لمستقبل الحوكمة الإلكترونية. وأطلق المشاركون في المؤتمر الذي اختتم أعماله أواخر حزيران (يونيو) الجاري، على هذه الرؤية اسم «إي غوف 2015» eGov2015. وبموجب هذه الرؤية، تعمل الحكومة الإلكترونية بطريقة تعاونية تضمن مشاركة المواطنين والترابط بينهم. كما تعمل على توجيه المؤسسات الحكومية لتنفيذ برامج متقدّمة في تكنولوجيا المعلومات والاتصالات خلال السنوات الخمس المقبلة. ومعلوم أن سنغافورة تحظى حاضراً باهتمام الدراسات الدولية المقارنة، خصوصاً في الشأن الرقمي. فمثلاً، حازت تجربة سنغافورة الإلكترونية تنويهاً خاصاً في التقرير النهائي الذي صدر عن «المنتدى الاقتصادي العالمي» في دافوس 2011. وحصلت مشاريع الحكومة الإلكترونية في سنغافورة على «جائزة استوكهولم للتحدي» و «جائزة الأممالمتحدة للخدمة العامة». وتبيّن الأرقام أن 84 في المئة من مواطني سنغافورة تعاملوا إلكترونياً مع الحكومة عام 2010. الحوكمة والترابط الإنساني ركزت رؤية «إي غوف 2015» على ثلاثة مجالات إستراتيجية من أجل تحقيق الحكومة الإلكترونية التعاونية، هي التعاون من أجل خدمة عامة أشد فعالية، والترابط بين الناس كوسيلة لضمان مشاركتهم الفعالة وتحفيز التحوّل الرقمي حكومياً. أولاً، تدعو «إي غوف 2015» الى إيجاد خدمات إلكترونية متقدّمة موجّهة للجمهور، ما من شأنه تحقيق مستوى أعلى من الراحة للمواطن، وتحسين تجربة الناس عند التعامل مع الحكومة الرقمية. وفي الوقت نفسه، تضع هذه الحكومة منصات رقمية بطريقة تساعد القطاع الخاص على توطيد علاقات التعاون معها. وفي هذا السياق، أطلقت حكومة سنغافورة خدمتين متقدمتين للجمهور هما «داتا.غوف. إس جي» Data.gov.sg و «إم غوف@ إس جي» mGov@SG. وتعتبر «داتا.غوف. إس جي» أول بوابة إلكترونية في سنغافورة تفتح البيانات الحكومية أمام الجمهور وتتيح الوصول إلى ما يزيد على 5 آلاف مجموعة من قواعد البيانات الرسمية المتصلة بعمل أكثر من 50 مؤسسة عامة. وتشمل خدمات «داتا.غوف. إس جي» تحميل قواعد البيانات لأغراض البحث وإنشاء تطبيقات، والبحث عن التطبيقات التي تستخدم بيانات الحكومة. ثانياً، ارتكزت خدمة «إم غوف@ إس جي» إلى نجاح حكومة سنغافورة في تنفيذ الخدمات الحكومية الرقمية المخصّصة لأجهزة الاتصالات المحمولة، التي سُميّت «أم- سيرفسز m-services). وتعطي «إم غوف@ إس جي» خدمات رقمية للأجهزة المحمولة أكثر تفاعلاً من سابقتها في تلبية الحاجات المتزايدة من السكان الذين تزداد حركتهم بصورة مستمرة. كما تجعلهم هذه الخدمة قادرين على التعامل مع خدمات الحكومة الرقمية كافة، عبر أجهزتهم المحمولة. وبالتوازي مع ظاهرة عالمية، لوحظ أن مواطني سنغافورة يستخدمون مواقع الشبكات الاجتماعية («فايسبوك»، «تويتر»...) على نطاق واسع. وبالاستجابة لهذه الظاهرة، عمد عدد من المؤسسات الحكومية بإطلاق منصات إعلامية اجتماعية متصلة بها، لضمان مشاركة المواطنين. التشاور رقمياً وبموجب رؤية «إي غوف 2015» يجدر بالحكومة الإلكترونية أن تتوسع في جهود المشاركة الإلكترونية وتجربة وسائل مبتكرة للاستفادة من مهارات جمهور شبكة الإنترنت. وتهدف هذه الجهود إلى زيادة الوعي والمشاركة في عمليات التشاور العامة عبر التفاعل رقمياً بين الحكومة والناس. كما تسعى لإطلاع المواطنين على أحدث مواضيع التشاور عبر رسائل قصيرة ترسل إليهم إما عبر الهواتف النقّالة، أو على صفحات المواطنين في مواقع الشبكات الاجتماعية. ويندرج في هذه الجهود عينها، سعي الحكومة لاستكشاف طرق فعّالة لتحفيز المواطنين على المشاركة، مثل «التعهيد العام» General Out Sourcing للأفكار والمشاريع. ويتكامل هذا المنحى مع تنفيذ خطط لتعزيز قدرات موظفي القطاع العام في استخدام أدوات الإعلام الإلكتروني، ما يزيد من قوة الأفراد إعلامياً. ثالثاً، تركّز رؤية «إي غوف 2015» على التطوير الإستراتيجي للبينة الإلكترونية التحتية المتصلة بالقطاع العام، إضافة إلى تدعيم المهارات التقنية لموظفيه. ويشمل هذا الأمر بناء الجيل المقبل من البنية التحتية لتكنولوجيا المعلومات والاتصالات للحكومة، وتعزيز التعاون بين المؤسسات الحكومية وغيرها. ومثلاً، تشدّد رؤية «إي غوف 2015» على أهمية الاعتماد على تقنية «حوسبة السحاب» Cloud Computing، مع دعوة الحكومة لإنشاء «سحابة» خاصة بها، تطلق عليها اسم «السحابة الحكومية» لتقديم الخدمات المشتركة في بيئة آمنة. ويتميّز المخطط الرئيسي لرؤية «إي غوف 2015» بالمرونة والمطواعية، ما يجعله قادراً على التطوّر بالاستجابة إلى المتغيّرات الاجتماعية والاقتصادية والتكنولوجية على مدى السنوات الخمس المقبلة. للمزيد من المعلومات عن رؤية «إي غوف 2015»، يمكن الرجوع إلى موقع egov.gov.sg.