بيروت، عمان، لندن - «الحياة»، رويترز - لا تقدم تعهدات السلطات السورية إجراء إصلاحات سياسية علامات قوية على استعداد النظام على تخفيف سطوته. ويقول منتقدو النظام إن المطروح لا يعد كونه «تنفيساً» أكثر منه توجهاً حقيقياً لإجراء إصلاحات ديموقراطية يمكن أن تقود إلى حلحلة سيطرة حزب البعث والقوى الأمنية على صنع القرارات السياسية في البلاد. ورفض نشطاء سوريون خطاب الرئيس السوري بشار الأسد الذي وعد فيه بإصلاحات باعتباره «تكراراً» لوعود لم يتم الوفاء بها و «تهديدات مبطنة» للمعارضين لا تعالج جذور الأزمة أو تستجب لطموح عشرات آلاف السوريين الذين ما زالوا يتظاهرون متحدين الحملة العسكرية. وبينما أقر الأسد بأن سورية تواجه أزمة خطيرة، كما أعترف ببطء وتيرة التغيير، إلا أنه كرر أفكاراً وردت في خطابيه السابقين في آذار (مارس) ونيسان (أبريل) بأن البلاد تواجه «مؤامرة خارجية» وأنحى باللائمة في العنف على «مجرمين ومتطرفين دينياً». ولم يشر الى أي دور لقوات الأمن في إراقة الدماء وتعهد بالتمييز بين من لديهم مطالب مشروعة ومن وصفهم «بالمخربين» الذين يقفون وراء الاضطرابات. وقال جوليان بارنس ديسي المحلل في مؤسسة «كونترول ريسكس» ل «رويترز» إن الأسد «لم يقدم أي مؤشر في شأن القضية الأساسية وهي استعداده لتسهيل انتقال حقيقي للسلطة بعيداً عن الاحتكار المستمر للسلطة من جانب عائلته وحزب البعث الحاكم». وتابع: «انه يمضي على الطريق... الذي سار عليه زعماء آخرون في المنطقة بالسعي الى تقويض شرعية المعارضة بينما يلجأ في الوقت ذاته الى القمع الأمني الصارم». وقال محلل آخر مقيم في دمشق إن الرئيس السوري لم يتعامل مع القضيتين الأساسيتين اللتين هما سبب المشكلة في أعين كثير من السوريين وهما «سلوك أجهزة الأمن» و «القيادة الحاسمة» للدخول في إصلاحات ذات معنى. وقال عادل عثمان الناطق باسم اللجان التنسيقية للثورة السورية في هذا الصدد لمحطة «بي بي سي» البريطانية: «النظام هو المشكلة... ما قدمه (من مقترحات للإصلاح) لا تتناسب مع طموحات الشارع. ونحن في اللجان التنسيقية نرفض ما عرضته السلطات». وشدد على أن أحد المطالب الأساسية التي لم يعالجها خطاب الأسد في شكل واضح هي محاسبة كل المسؤولين عن قتل المتظاهرين في الشارع. وأضاف: «هذه الوعود هي لخداع السوريين وللاستهلاك الخارجي». وقال الأسد في خطابه إن دعوة ستوجه خلال أيام الى أكثر من 100 شخصية من مختلف قطاعات المجتمع لحضور اجتماعات تشاورية لبحث إطار العمل لحوار وطني وعدت به الحكومة منذ أكثر من شهر. ولم تبلور أي شخصيات معارضة بعد رداً على أي دعوة للمشاركة في الاجتماعات، لكن عدداً منهم قال إن الحوار لا يمكن أن ينجح في حين لا يزال القمع الأمني مستمراً وبينما لا يزال آلاف المعتقلين السياسيين في السجون. وحتى لو حضرت هذه الشخصيات فمن غير الواضح ماذا سيكون تأثير ذلك على الاحتجاجات في الشارع التي طالبت في البداية بمزيد من الحريات لكنها تطالب الآن ومنذ أسابيع بإطاحة النظام. وقال أيهم كامل وهو محلل لدى مجموعة أوراسيا: «من الصعب أن نرى طريقاً سهلاً لتطبيق هذا البرنامج الإصلاحي». وتابع: «سيستمر استخدام القوة العسكرية على الأقل لمواجهة جزء من المعارضة. هذا سيجعل من الصعب على كثير من الشخصيات المعارضة الدخول في مفاوضات مع النظام أو المشاركة في لجنة الحوار الوطني». وأوضح كامل أن من المرجح أن يكون خطاب الأسد أحدث «استقطاباً» في المجتمع السوري حيث يراه مؤيدو الأسد على أنه دليل على أن الرئيس مستعد لتقديم تنازلات ملموسة، بينما يرفضه المعارضون باعتبار لن يغير من طبيعة النظام الأحادية. وكان ذلك الاستقطاب واضحاً في عدد من المدن السورية أول من أمس حيث تظاهر عشرات الآلاف من مؤيدي الأسد في مدن في أرجاء البلاد مما أدى الى اشتباكات مع محتجين. وقال نشطاء إن العشرات سقطوا بين قتلى وجرحى. وقال بارنس ديسي: «هناك تشققات تحدث في المجتمع السوري والنظام يسعى لاستغلال هذا لتقوية قبضته على السلطة». وأضاف: «إذا أصبح هذا الصراع عسكرياً سيكون هناك احتمال حقيقي لحدوث شكل من أشكال الحرب الأهلية». وقال لؤي حسين المعارض السوري الذي شارك مع معارضين آخرين في وضع «خريطة طريق سياسية» للخروج من الأزمة إن خطاب الأسد «كان موجهاً لأنصار النظام وليس لمعارضيه». وتابع: «لم يكن به شيء جديد». وطبقاً لخريطة الطريق التي وضعها أطراف المعارضة السورية، فإن من أوائل الخطوات المطلوبة لإنهاء الأزمة الحالية هي توقف السلطات عن اللجوء للعنف وقتل المتظاهرين. وتابع حسين ل «بي بي سي»: «ما جاء في الخطاب هام جداً... لكنه لا يحل المشكلة مع الشارع. هناك حاجة الى حرية حقيقة وذلك كي يبدأ التغيير». وذكر بارنس ديسي انه بينما قد تستطيع قوات الأمن مساعدة النظام على إبقاء قبضته على السلطة في المدى القصير، فإن الوصول إلى طريق مسدود مع المحتجين وتدهور الاقتصاد الذي تضرر من انهيار السياحة والتوقف المرجح للاستثمار الأجنبي يعني أن فرص النظام السوري في الشهور والسنوات المقبلة أكثر غموضاً. واعترف الأسد نفسه بأن التحدي الأكثر خطورة هو ضعف أو انهيار الاقتصاد السوري وحث الشعب على العمل لإعادة الثقة في الاقتصاد. وقال بارنس ديسي: «الأوضاع الاقتصادية مثل الأوضاع السياسة تعني أنه سيكون من الصعب... على الأسد البقاء». وعن المعضلة الهيكلية التي تواجه النظام السوري في ما يتعلق بمطالب الإصلاح، قال أستاذ العلوم السياسية في الجامعة الأميركية في بيروت هلال خشان ل «فرانس برس» إن «المعضلة بالنسبة الى الأسد هي أنه يعلم تماماً أن ما يريده المعارضون هو الحرية والتغيير، لكنه يعلم أيضاً أنه غير قادر على تلبية كل مطالبهم». ويضيف: «انه لا يريد أن يتخلى عن السلطة». وترى فابريس بالانش الأستاذة في جامعة «ليون 2» أن الرئيس السوري «سيواصل سياسته الحالية»، مضيفة: «كما سيشتد قمع المتظاهرين، وستتشدد المعارضة». ويرى المحللون أنه بعد الخطاب الأخير، فإن الرئيس السوري سيتبع «سياسية الانتظار»، ليرى رد فعل الشارع والعالم الخارجي. وتقول بالانش إن الأسد وعد بإجراء انتخابات تشريعية في آب (أغسطس) بهدف «استمالة جزء من المعارضة التي يعتبرها معتدلة، وتحديداً أشخاص يطمحون الى الحصول على مقعد في مجلس الشعب». وتضيف: «لكن في شكل عام هو يقول للمعارضة: لا يهمني أي شيء، لن أغير سياستي، لن أتحرك من مكاني». وما زال النظام السوري قادراً على الاستفادة من غياب موقف دولي موحد حيال ما يجري في سورية، على رغم بعض التصريحات ذات اللهجة المرتفعة لا سيما من طرف فرنسا. وترى بالانش أن الغربيين «لن يتدخلوا عسكرياً في سورية، ولن يفرضوا عليها حصاراً قد يؤدي الى نتائج عكسية، ولن يضغطوا على روسيا» التي هددت بالفيتو لوقف أى قرار من مجلس الأمن ضد سورية. غير أن السياسة التي يتبعها النظام السوري قد تعود وتنقلب عليه في المدى الطويل. وتقول بالانش في هذا الصدد: «عدد القتلى لا يهم النظام... لكن المشكلة الحقيقية هي أنه لم يعد في سورية مستثمرون والاقتصاد يعاني من الجمود، والطبقة البورجوازية (التي تساند النظام) ستبدأ في إعادة حساباتها، والناس أصبحوا بلا عمل». وتضيف: «خلال عام أو أكثر، وبانتظار الانتخابات الرئاسية الأميركية (المقررة في عام 2012) سيصبح الوضع غير محتمل» بالنسبة للنظام السوري.