يواجه الرئيس السوري بشار الأسد الذي تحكم عائلته البلاد منذ أكثر من 40 عاما، والذي نصب نفسه حاميا للوحدة العربية عزلة متزايدة بعد أن أعلنت دول عربية عقوبات على دمشق بسبب الحملة التي يشنها نظامه على المحتجين الذين يطالبونه بالتنحي. وبالنسبة لزعيم توهم نفسه على أنه المدافع الرئيس عن الحقوق العربية، كانت الخطوة التي اتخذتها جامعة الدول العربية السبت الماضي بتعليق عضوية سورية ضربة موجعة. وتسببت الحملة العسكرية التي يشنها الأسد على المحتجين والتي تقول الأممالمتحدة إنها أسفرت عن سقوط ما يقدر بنحو 3500 قتيل في إثارة استياء تركيا الحليفة السابقة ودفعت دولا غربية إلى فرض العقوبات ومطالبته بالتنحي. لكن القرار المفاجئ الذي اتخذته الجامعة العربية وإعلان فرض عقوبات سياسية واقتصادية أدى إلى تدني مكانة الأسد على الساحة الدولية وجعله أكثر اعتمادا على إيران. وأدى إصرار الأسد على القضاء على انتفاضة يتهم متشددين إسلاميين بأنهم من أثاروها بدعم من قوى أجنبية، إلى جانب صمود المحتجين في الشوارع وظهور تمرد مسلح إلى جعل الانتفاضة السورية واحدة من أكثر الصراعات استعصاء على الحل في انتفاضات الربيع العربي التي شهدتها المنطقة هذا العام. وأعاد استخدامه للدبابات لاستعادة السيطرة على مدينة حماة في أغسطس «آب» ذكريات سحق والده الرئيس الراحل حافظ الأسد لانتفاضة قبل نحو 30 عاما ودفع الأمين العام للأمم المتحدة بان جي مون لاتهامه بأنه فقد أي شعور إنساني. وحذر وزير الخارجية الفرنسي آلان جوبيه الأسد الشهر الماضي من أن القمع الوحشي سينتهي بسقوط النظام، بل قالت روسيا حليفته إنه يعرض نفسه لمصير سيئ، ما لم ينه العنف وينفذ الإصلاحات. وقال المحلل لشؤون الشرق الأوسط والمقيم في بيروت رامي خوري: «إذا أصر على الاستمرار في تجاهل الإشارات من العالم العربي والمجتمع الدولي، فإن هذا لا ينبئ بخير بالنسبة له بصورة كبيرة». وقبل أسابيع فقط من اندلاع الانتفاضة في مارس «آذار» قال الأسد إن سورية بعيدة عن الثورة التي أطاحت بزعيم كل من تونس ومصر؛ لأن سياستها الخارجية تتوافق بشدة مع توجهات الشعوب العربية. وفي كلمة ألقاها في جامعة دمشق في يونيو (حزيران) وهي واحدة بين عدد قليل من الخطب التي ألقاها منذ بدء الانتفاضة، برر الأسد حملة القمع وقال إنه تلقى الدعم من السوريين الذين التقى بهم لمناقشة الأزمة. وفي واقع الأمر فإن هذه الانتفاضة أدت إلى ظهور استقطابات في سورية. وأصبح الكثير من المتظاهرين الآن يرددون هتافات تطالب بإعدام الأسد. وهو مشهد لم يكن من الممكن تخيله على الإطلاق قبل ثمانية أشهر، لكنه ما زال قادرا على حشد أعداد غفيرة في مظاهرات تنظمها الدولة وما زال يحظى بتأييد خاصة بين الأقلية المسيحية والأقلية العلوية التي ينتمي لها. ورغم استمرار حملة القمع العسكرية ضد المحتجين ألغى الأسد حالة الطوارئ التي ظلت معلنة منذ 50 عاما، وأقر قوانين تتيح تشكيل أحزاب أخرى بخلاف حزب البعث الحاكم ووعد بالحوار مع المعارضة. وساعد هذا الموقف المبهم الذي مزج فيه الأسد بين التنكيل وإطلاق وعود بالتغيير على تهدئة الانتقادات الدولية في المراحل الأولى من الانتفاضة. وسلطت الأضواء على الأسد بعد وفاة شقيقه باسل في حادث سيارة عام 1994 والذي كان يعده والده لخلافته. وبعد أن قطع بشار الأسد دراسته الطبية في لندن بدأ يضطلع بدور بارز في البلاد وبعد ست سنوات ورث الرئاسة عندما توفي والده بعد أن حكم سورية طوال 30 عاما. وحتى يصبح بشار الذي كان يبلغ من العمر في ذلك الحين 34 عاما رئيسا للبلاد انعقد البرلمان السوري على عجل لتعديل بند في الدستور ينص على أن يكون سن الرئيس 40 عاما على الأقل. وعندما تولى المنصب وعد بإصلاح دولة من أكثر الدول التي يطبق عليها النظام قبضته وأشرف على خطوة لم تدم طويلا لإطلاق الحريات السياسية قبل تلاشي «ربيع دمشق» وسط موجة من القمع والاعتقالات. وأنهى الأسد الوجود العسكري السوري في لبنان والذي استمر نحو 30 عاما تحت الضغط الدولي عقب اغتيال رئيس الوزراء الأسبق رفيق الحريري عام 2005.