لماذا كل هذا التضليل في أحقية واستحقاق هذه الجائزة التي تحمل اسماً كبيراً في الوطن العربي؟ وإن تمكن هذا الرجل من الفوز بجائزة نجيب محفوظ الأصلية لا التقليدية ماذا كان يُمكن أن نقول إذا ما وسم اسمه بنجيب محفوظ؟ هل لا نستطيع شيئاً حيال التهنئة والمباركة ولا شيء غير ذلك؟ أم قدر لجان الجوائز في الوطن العربي أن تنال شخوصها نعوت التخوين والميول والمداهنة والمهادنة ما يُذهب قيمة الجائزة ذاتها ويقلل شأنها في عيون الناظر العربي سواء كان مهتماً أو غير مهتم؟ أم حظ الفائز هو العاثر لأنّه يجب علينا في كل مرة أن نجد عثرة أو زلّة لنماحك بوادر الشك والظنون حتى تستعر التهمة وتتسع الهوة بين قيمة الجائزة وبين قيمة المبدع؟ لنأخذ الروائي السعودي يوسف المحيميد مثالاً وما تتابع في هذه الصحيفة حول فوزه بجائزة أبوالقاسمي الشابي وما قيل علناً وما استسر خفية حول آلية هذا الفوز، فقد توالت التصريحات في شأن اللجنة وأنه كان من المتوقع فوز كاتب تونسي دون المحيميد الذي دخل اسمه في اللحظات الأخيرة وتم فوزه، وذلك ما أثار جانباً تونسياً، وبغض النظر عن تاريخ هذه الجائزة وخفوتها في السنوات العشر الأخيرة؛ إلا أنّ وازع التشكيك يسكننا وكانت له الحصة الأكبر في هذا الموضوع غير راغبين في أخذ ملابسات الحدث في الاعتبار، فكاتب تونسي دخل الترشيح ولم يتم الإعلان عن فوزه الذي كان يتوقعه حتماً ليفوز كاتب سعودي بالجائزة، وكنا نتوقع أن يتم التصفيق والتهليل له، في الوقت الذي «سارتر» أبدى الموقف ذاته حيال مواطنه «البير كامو» بجائزة نوبل وهو الذي رفضها يوم أعلن فوزه بها، واشتعلت حرائق وخمدت وبقي المجد لكليهما، أما في حالتنا فلا مجد إلا بجحيم التخوين. ووجدنا ذلك في فوز عبده خال ورجاء عالم بجائزة البوكر، وقبلهما نجيب محفوظ وما لقيه هذا الكاتب العظيم يوم فاز بجائزة نوبل. والسؤال من الرجل الذي يفوز؟ الإجابة عن هذا السؤال تنتهي بالسؤال عن الجائزة التي فاز بها، ففي حالتنا نجد أن يوسف المحيميد قدم أعمالاً لافتة ومتقدمة في المشهد الروائي السعودي، وربما أميزها «فخاخ الرائحة» التي حرمها تاريخ نشرها من التنافس على جائزة أهم، فهذا الكاتب أجده جديراً بالفوز بغض النظر عن أي مسوغات أخرى يراها البعض تشوب استحقاقه الجائزة، وسأتطرق لحق الأعمال الجيدة إلى درجة اغتصاب الجوائز لها طالما بقيت حال الجوائز في الوطن العربي بهذا السوء من التضليل والنكاية بجهة جغرافيا من دون أخرى أو التربص المجحف لا نطاول منه مكانة مرموقة للتجربة الروائية السعودية خصوصاً. والمحيميد على جدية اشتغاله ومثابرته في الحراك العربي من ندوة إلى مؤتمر إلى ملتقى لا يمكن أن نتعاطى شأن فوزه بجائزة على هذا النحو مفتقرين إلى مكانة نتاجه ومستبقين إلى جدل صحافي لا يرقى إلى القيمة الأدبية؛ فضلاً عن الزج بأسماء لها مكانتها الرفيعة في النقد العربي، فقد أُشيع أن الناقد التونسي حسين لواد كان له دور خاص في هذا الفوز إذا ما علمنا أن هذا الناقد المعروف أحدد مؤسسي جائزة الشابي قبل عشرين عاماً تقريباً وهو يعمل حالياً في جامعة الملك سعود، وتربطه علاقات وثيقة بنقاد وأدباء سعوديين. فهذا الربط لحلقات لا تتصل ببعضها هو قرين التشكيك والتقليل من أهمية هذا الفوز، بينما الأمر لا يتعدى حنق الكاتب التونسي من اختيار المحيميد الذي بدلاً من أن يحقق فوزه شهادة جديدة على إبداعه رحنا نقلل من الشخص ذاته على درجة أنه سعى وتآمر وافتعل و...الخ! وهكذا كلما انتصر اسم بجائزة خسرت تلك الجائزة الكثير وتعمقت الظنون حولها، وفي المقابل نحصد أشخاصاً يحملون جوائز لا صدقية تجتمع عليهم، وهذه هي حال الفائز العربي في معظم المناسبات، ورأينا من قبل ما قيل عن جائزة الشيخ زايد للآداب وبعض الفائزين بها، وما خفي أعظم عن جوائز أخرى يُصرف عليها ملايين الدولارات ومن دون أن يسمع عنها شيء ولا حتى عن الفائزين بها، والأمثلة لدينا جليّة لا يمكن نكرانها. ولم تكتسب أي جائزة خضم الإعلام ونشاطه مثل ما هي عليه الحال بالنسبة إلى جائزة البوكر التي خُلقت في معترك المنافسات الشرسة والمختلفة نظراً لاتخاذها مبدأ القوائم الأولى والنهائية، ما يوجد عوامل التحيز وتنشط داخل المشهد العربي محفزات الكتابة عن اللجان والأسماء والأعمال المرشحة وكذا المعالجات الطارئة في القوائم الأولى، خصوصاً من حيث التوزيع الجغرافي ونسبة الكُتّاب للكاتبات، كما تعتمد كل دورة على لجنة مختلفة، ومع ذلك بقيت هذه الجائزة محل اهتمام بالغ في الوسط الثقافي سنوياً، بينما الجوائز الأخرى تمر المرور الخجول فيفوز بقيمتها المادية شخص ما وتتلاشى عنده القيمة المعنوية التي حتماً لا تقارن بقيمة جائزة أخرى حتماً هو لا تختاره أصلاً لأنه لا يستحق قيمتها الأدبية. وجائزة الشابي طاولها إهمال لا غرو أنّه بسبب إدارتها والإعلام العربي وإلا كيف لجائزة تحمل اسم علم كبير في الشعر العربي ولا يُلقى لها بال أو وزن إلا من باب كشف من الأحق بالفوز تونسي أم سعودي جاء من حيث لا يعلم التوانسة! * روائي سعودي.