لم يبلغ رامي العشرين من العمر بعد وهو يجد نفسه اليوم أسير الفراش والزيارات المتكررة للمستشفى بعدما لامس الموت منذ شهرين تقريباً... والسبب هو المنشطات الرياضية. لم يكن رامي يدرك ما هي الآثار السلبية لهذه المنشطات فجل ما كان يريده هو ذاك الشكل الجميل الذي يراه عند لاعبي المصارعة الحرة، خصوصاً أنه يعاني من النحافة منذ صغره. وفي النادي الرياضي تعرف الشاب الى هذه المواد وراح يستعملها من دون أي مراقبة أو متابعة من قبل شخص متخصص ما أدى به الى اضطراب عصبي ما زال يعاني من آثاره. رامي اليوم هزيل أكثر من أي يوم آخر في حياته بعدما حاول الطبيب المُعالج تخليص جسد الشاب من آثار المنشطات، وهو يرى أنه ما زال حياً لسبب وحيد: توعية الشباب الذين يعتقدون أن المنشط هو «حبة دواء سحرية تحول كل رغباتهم حقيقة». لم ينل الموت من رامي، ليس بسبب قوته، إنما لأن جرعة المنشطات التي نقلها الى جسمه لم تكن قاتلة، إلا أن غيره من الشباب لم يكن حظهم وافراً الى هذا الحد فغادروا الحياة على أثر جلطة قلبية أطاحت أحلامهم وأحلام ذويهم وآخرهم عارض أزياء وممثل فيديو كليب لفنانات شهيرات. اليوم وأكثر من أي فترة سابقة يُطرَح موضوع المنشطات الرياضية في لبنان حيث تزداد أعداد الوفيات من فئة الشباب الذين يُكتَب في التقارير الطبية أنهم ماتوا جراء «جرعة زائدة»، لتظهر التحقيقات التي يجريها الأهل في ما بعد أن أبناءهم كانوا مدمنين على المنشطات الرياضية. ولا تزال الجهود التي تبذلها الجمعيات الأهلية والنداءات التي توجهها لجنة الشباب والرياضة النيابية الى الشباب للخروج من دائرة المنشطات، متواضعة وغير كافية لمواجهة واقع تثبته حالات الوفاة والاضطرابات العصبية التي يعاني منها الشباب بسبب رغبتهم في تحسين أجسامهم. وفي لقاء مع «الحياة» يعرف المدرب الرياضي كارلو ماركوسيان المنشطات بأنها مواد تدخل الجسم لتنشيط عضلاته وتحسين أدائه خلال ممارسة الرياضة أو تحسين شكل الجسم عبر تنمية عضلات من دون أخرى ويكون الهدف منه جمالياً. ويؤكد ماركوسيان أن الفئات العمرية الأكثر تعاطياً للمنشطات الرياضية في لبنان تتراوح بين 17 و27 سنة، إلا أنه يجدر التمييز بين الرياضيين المحترفين والهواة الذين يسعون إلى المظهر قبل اللياقة البدنية. ويعتبر ماركوسيان أن الاتحادات الرياضية مسؤولة عن مكافحة المنشطات في مجال الرياضة الاحترافية، أما الخطر الأكبر فهو لدى الهواة الذين لا يدركون الآثار السلبية التي قد تحدثها المنشطات في أجسامهم خصوصاً أنهم يقبلون عليها للتجميل والظهور كأنهم أمضوا أياماً في النادي وليس لأسباب صحية ورياضية. التوتر، العنف، الانهيارات العصبية، الدخول في الشجارات وصولاً الى السرقة لتأمين المال، كلها سلوكيات يمكن أن تظهر لدى متجرعي المنشطات الرياضية في شكل مستمر بحسب ماركوسيان. وتشبه المخاطر التي تسببها هذه المنشطات الآثار الجانبية للمخدرات الثقيلة خصوصاً أن السوق يحوي منشطات لا تتناسب مع حاجات الجسم الإنساني كتلك المصنوعة من الهورمونات الحيوانية. ويمكن لمرتادي النوادي الرياضية الذين يستخدمون منشطات بانتظام، الحصول عليها بطرق متعددة. بعضهم يلجأ الى أصدقاء تربطهم علاقة بمهربين للمنشطات عبر البلاد، فيؤمنون لهم حقناً وكبسولات خاصة بحسب منطق السوق السوداء، وهناك من يعتمد على ركن المبيعات في النادي الرياضي نفسه، فيما البعض الآخر يتوجه الى الصيدليات حيث تباع تلك الحبوب تحت مسميات «متممات غذائية» وبطريقة شرعية لكن أحياناً ضارة. ويحذر المدربون الرياضيون من المنشطات المستوردة التي يقولون إنها مزيفة في غالبها ويمكن أن تؤدي الى مضاعفات سيئة جداً مع ضرورة عدم الانخداع أبداً بالثمن المنخفض لبعض أنواعها لأن مصادرها تكون مشبوهة وهي غير صالحة للجسم البشري. وفي سياق التحذيرات أيضاً رفعت لجنة الشباب والرياضة النيابية العام الماضي مشروع قانون حديث لتحديد المعايير والمواصفات التي تمنح على أساسها تراخيص إنشاء النوادي الرياضية. إلا أن إقرار القانون لا يزال مؤجلاً كغيره من المواضيع الحياتية في لبنان، ما يعني استمرار غياب الرقابة عن النوادي ودورها في تحفيز بيع المنشطات. وإذا كان بعض الشباب من فئة الهواة يتمسك بحقه في استخدام المنشطات باعتبار أن الرياضيين المحترفين يستخدمونها، فماركوسيان يشرح أن هناك فرقاً شاسعاً بين الحالتين لأن المحترف يمكن أن يلجأ الى البروتينات وهي المادة الأساسية المكونة للعضلات ليحافظ على قوته الجسدية خلال البطولات والمباريات. وحتى هذه البروتينات يتم استخدامها بإشراف مدرب وبجرعات مدروسة ويتم إيقافها بعد فترة البطولة، وفي حال تناول الرياضي المحترف المنشطات فسيتم اكتشاف ذلك من قبل الاتحاد من خلال الطرق الحديثة في التحليل. أما الرياضيون الهواة فتجذبهم تلك المنشطات القوية التي تمدهم بطاقة لن يكون جسمهم قادراً على تحملها، فتنتج اضطرابات نفسية وجسدية قد تؤدي الى الوفاة أحياناً. وإذا كان لبنان اليوم على موعد مع انطلاق فصل الصيف مع ما يعني ذلك من رغبة لدى الشباب في تحسين الشكل الخارجي لأجسامهم، فالأفضل أن يكون من خلال الطرق الطبيعية التي لا تعطي النتيجة السريعة نفسها إلا أنها أقله تبقي الشخص نشيطاً وحيوياً وصحياً.