السيدة داليا مجاهد المديرة التنفيذية لمركز (غالوب) للدراسات الإسلامية وعضو المجلس الاستشاري الأميركي للأديان ورئيسة برنامج (حقائق العلاقة بين المسلمين والغرب)، صرّحت في لقاء صحافي أن الصراع بين الولاياتالمتحدة والعالم الإسلامي لا يعود لأسباب دينية أو ثقافية، فالمسلمون لا يكرهون الغرب كراهية عمياء، إنما هم غير راضين عن بعض سياساته. وكشف أحدث استطلاع أجراه مركز (غالوب) للدراسات الإسلامية نشرت مجلة «أكتوبر» المصرية ملخصاً له، أنه لا توجد علاقة بين العنف والتديّن، بمعنى أن الإنسان المتديّن ليس أقرب إلى العنف والإرهاب، وأن الدين الصحيح يدعو إلى السلام والتسامح والتعاون بين كل البشر. وكشف الاستطلاع أيضاً، أن اعمال التطرف والعنف والإرهاب مرفوضة من كل الشعوب، وأوضح أن بعض الشعوب الإسلامية ترفض العنف أكثر من الشعب الأميركي، وبعض المسلمين يخشون من الإرهاب أكثر من الشعب الأميركي. وقد وردت هذه المعلومات أيضاً في كتاب السيدة جيهان السادات «أملي في السلام» الذي صدرت ترجمته العربية أخيراً عن «دار الشروق» في القاهرة، حيث نقلت الكاتبة عن السيدة داليا مجاهد قولها إن نتائج الاستطلاع الذي أجراه مركز (غالوب) للدراسات الإسلامية، أكدت (أن الخلاف مع الولاياتالمتحدة الأميركية خلاف على السياسة وليس على المبادئ). والسيدة داليا مجاهد ذات الأصل المصري، اختارها الرئيس الأميركي باراك أوباما مستشارة للبيت الأبيض في شؤون العالم الإسلامي. وكان لها الأثر الواضح في الأفكار والمواقف التي تضمنها الخطابان اللذان ألقاهما الرئيس أوباما في كل من البرلمان التركي في أنقرة، وفي جامعة القاهرة. والاهتمام بمعرفة اتجاهات الرأي العام الإسلامي في الغرب، تزايد بشكل ملحوظ خلال السنوات الثماني الأخيرة. ففي سنة 2006 على سبيل المثال، أجرى مجلس العلاقات الأميركية الإسلامية (كير) استفتاء للمصوتين الأميركيين المسلمين، كشف أن المسلمين الأميركيين يشاركون سياسياً في المجتمع الأميركي، فقد صرح 89 في المئة ممن تلقوا الاستفتاء، أنهم يصوتون بانتظام، ويحتفلون بالأعياد الوطنية الأميركية، وصرح 86 في المئة أنهم يحتفلون بالرابع من يوليو، وينخرطون في المجتمع، وصرح 42 في المئة بأنهم يتطوعون في مؤسسات الخدمة العامة، علاوة على أنهم لا يعتبرون أن معتقداتهم الدينية تعارض معتقدات رفقائهم من المواطنين، وأعلن 84 في المئة أن على المسلمين التشديد على القيم المشتركة بينهم وبين المسيحيين واليهود. وفي سنة 2006 أيضاً، أجرى مركز (بيو) - PEW - (الذي يوجد مقره في واشنطن ويقدم معلومات عن المواضيع والمواقف والاتجاهات حول أميركا والعالم)، استفتاء حول المسلمين في المملكة المتحدة وفرنسا وألمانيا وإسبانيا، كشف أن المسلمين يُبدون مواقف إيجابية عامة تجاه الدول التي يعيشون فيها. وقد عبّر المسلمون في هذا الاستفتاء، عن شعور قوي بالهوية الإسلامية واستعداد للتكيف مع ثقافة الدول المضيفة وعاداتها. وتلك ظاهرة ملموسة وحقائق قائمة على الأرض يتميز بها الحضور الإسلامي في الغرب. ففي الاجتماع الذي عقده أخيراً (المجلس الأعلى للتربية والعلوم والثقافة خارج العالم الإسلامي)، الذي يضم تسعة من رؤساء المراكز الثقافية والجمعيات الإسلامية في كل من أوروبا وجنوب شرقي آسيا والباسيفيك وأميركا اللاتينية والكاريبي، ويعمل في إطار المنظمة الإسلامية للتربية والعلوم والثقافة (إيسيسكو)، جرى بحث الأوضاع الثقافية والتعليمية للمسلمين في هذه المناطق، وتبيّن من العروض التي قدمت في الاجتماع ومن المناقشات التي جرت خلال جلساته، أن المسلمين، سواء كانوا أقليات مواطنة أم جاليات مقيمة، يندمجون في المجتمعات التي يعيشون فيها من دون أن يفقدوا شعورهم بالهوية الإسلامية، أو أن يفرّطوا في خصوصياتهم الروحية والثقافية والحضارية، باعتبارهم جزءاً من الأمة الإسلامية وامتداداً للعالم الإسلامي. وكشف المجلس الذي عقد اجتماعه في مقر الإيسيسكو، عن أن الحضور الإسلامي في شتى القارات، هو حضور متميّز يتّسم في غالب الأحيان، بالإيجابية والفعالية والمشاركة النشيطة في الحراك الاجتماعي وفي الحياة العامة. وأكد أعضاء المجلس جميعاً، أن المجتمعات الإسلامية التي يعملون في أوساطها، ترفض العنف والإرهاب رفضاً مطلقاً، ولكنها ترفض في الوقت نفسه، التمييزَ العنصري والكراهية والإساءة إلى المعتقدات والرموز الدينية، وتعبّر عن رفضها هذا بالأساليب القانونية. والواقع أن المسلمين في الغرب، بالمفهوم الشامل المتداول، وليس بالمفهوم الجغرافي المحدود - وهو الذي يشمل المسلمين خارج الدول الأعضاء في منظمة المؤتمر الإسلامي - يشكّلون كتلة حضارية للسلم والأمن والتعاون والتنمية، وأنهم على رغم الحملات العنصرية المغرضة التي تشن ضدهم في بعض المنابر الإعلامية والدوائر السياسية والثقافية، فإن عقيدتهم الدينية تجعلهم يقفون ضد العنف والإرهاب، وينحازون إلى السلام والوئام والتفاهم مع المجتمعات التي يعيشون فيها. ولذلك فإن الحملات التي تستهدف المسلمين في الغرب، تعطي صورة مزيّفة عن الحضور الإسلامي، وتلك هي الصورة النمطية التي تروج اليوم، ويكون لها تأثير سلبي على القرارات والمواقف والآراء التي يعبر عنها بعض القيادات السياسية والإعلامية والأكاديمية والدينية أيضاً. منذ أن تأسّس (المجلس الأعلى للتربية والعلوم والثقافة خارج العام الإسلامي)، في إطار (استراتيجية العمل الثقافي الإسلامي خارج العالم الإسلامي) التي اعتمدها مؤتمر القمة الإسلامي التاسع المنعقد في الدوحة سنة 2000، وأنا أحرص في الاجتماعات التي يعقدها المجلس وأشارك فيها، على توجيه رؤساء المراكز الثقافية والجمعيات الإسلامية في الغرب، إلى العمل في المحيط الذي يوجدون فيه، من أجل الاندماج في المجتمعات الحاضنة للمسلمين، وإلى الاحترام الكامل للقوانين المحلية، وإلى إعطاء صورة مشرفة عن الثقافة والحضارة الإسلاميتين من خلال ممارستهم لحياتهم وسلوكهم مع غير المسلمين، وإلى التركيز على تقديم الخدمات التربوية والتعليمية لأبناء المسلمين بإنشاء المدارس العربية الإسلامية وتعليم اللغة العربية والتربية الإسلامية والتعريف بالحضارة الإسلامية، حتى تنشأ الأجيال الجديدة مشبعة بالقيم الإسلامية المثلى التي تحضّ على التسامح وتدعو إلى احترام عقائد غير المسلمين. وذلك من أجل الحفاظ على تميّز الحضور الإسلامي في الغرب. والجدير بالذكر هنا أن (التميّز الحضاري) هو نقيض (التمييز العنصري). ومن أجل ذلك فإن المهمة التي يتوجب أن يقوم بها حكماء العالم وعقلاؤه والنخب الفكرية والثقافية والإعلامية، هي تعزيز التميّز الحضاري، الذي لا يمنع من حوار الحضارات وتحالفها، ومحاربة التمييز العنصري بكل أشكاله، ليعمّ الأمن والسلم العالم أجمع. وللمسلمين في شتى أقطار الأرض دور في تعزيز المجتمع الدولي في هذا المجال. * المدير العام للمنظمة الاسلامية للتربية والعلوم والثقافة (ايسيسكو)