اختلط الحابل بالنابل على الصعيد السياسي في لبنان على خلفية انفجار الوضع الأمني في مدينة طرابلس الشمالية أول من أمس، والذي هدأ صباح أمس بدخول كثيف لوحدات الجيش الى المنطقتين المتقابلتين، باب التبانة وبعل محسن، محذرة المسلحين فيهما بمكبرات الصوت بأنها ستطلق النار على أي منهم إذا ظهر أمام الجنود. وإذ خلّفت الاشتباكات التي لم تهدأ ليل الجمعة – السبت 7 قتلى وأكثر من 50 جريحاً، ودماراً مخيفاً في الأبنية والسيارات، فإن تبادل الاتهامات السياسية عن المسؤولية عن اندلاع الاشتباكات تشعّب وتجاوز الأسباب المباشرة لبدئها، على خلفية تظاهرة طلاب لبنانيين وسوريين شاركهم فيها بعض السلفيين، تضامناً مع الشعب السوري وضد النظام واصطدامهم بالمؤيدين للنظام السوري في بعل محسن، لتتداخل معها الخصومات السياسية الطرابلسية واللبنانية، التي تصاعدت حدتها، مع تشكيل حكومة الرئيس نجيب ميقاتي، بين المعارضة وتيار «المستقبل» من جهة والأكثرية الجديدة والوزراء الجدد من جهة ثانية. واستدعى قول الرئيس ميقاتي أول من أمس، في معرض تأكيده أن الأمن خط أحمر وما حصل مريب، «إننا نفهم أن تكون المعارضة سلمية وهذا ما وُعدنا به»، ردوداً بالجملة من قادة تيار «المستقبل» وحلفائه في طرابلس الذين رأوا في كلامه اتهاماً مبطناً بالتسبب بالاشتباكات التي حصلت. وعقد نواب الشمال في «تكتل لبنان أولاً» الذي يتزعمه رئيس الحكومة السابق سعد الحريري اجتماعاً أصدروا إثره بياناً انتقد كلام ميقاتي واعتبر التكتل أن «بدلاً من تحمل مسؤولية وأد الفتنة وضبط الأمن نجده يتهم المعارضة مواربة». إلا أن وزيرين من مؤيدي ميقاتي هما فيصل كرامي وأحمد كرامي نفيا أن يكون ميقاتي قصد اتهام المعارضة أو تيار «المستقبل»، وكذلك نفت أوساط ميقاتي. لكن وزير المال محمد الصفدي قال إن «ما نسمعه اليوم (من قوى 14 آذار) لا نعتبره معارضة بناءة بل تصرفاً غير لائق». وفيما اتهم عدد من حلفاء الرئيس ميقاتي قوى 14 آذار وتيار «المستقبل» بالتسبب بالاشتباكات كما فعل حزب «البعث» وغيره، فإن أوساط رئيس الحكومة أوضحت ل «الحياة» أن في تصريحه أول من أمس «شدد على أنه لا يتهم أحداً والمعارضة تقوم بقراءة خاطئة بين السطور لكلامه عن سلمية المعارضة لشن هجوم على الحكومة، في ردودها على تصريحاته». إلا أن أوساطاً طرابلسية أشارت الى أن ميقاتي في كلامه الغامض عن «أننا نفهم المعارضة على أنها سلمية»، في معرض الحديث عن اشتباكات بعل محسن – باب التبانة، يعبر عن انزعاج من مواقف سلبية أخذتها فاعليات قريبة من تيار «المستقبل» ليل الخميس الماضي من تحضير الوزير الصفدي لاحتفال في مركزه في المدينة بإعلان الحكومة وإعدادها بيانات ضد هذا الاحتفال الذي أدت الاشتباكات الى إلغائه لاحقاً. ورأت أوساط وزراء طرابلس الحلفاء لميقاتي أن حصول الاشتباكات قبل 3 ساعات من الاحتفال الذي كان سيشهده مركز الصفدي لم يكن بريئاً. وفي المقابل قالت أوساط المعارضة إن أحد أنصار ميقاتي في باب التبانة وهو من شباب المحلة أصيب إصابة خطرة من مسلحي بعل محسن وبالتالي فإن أنصاره متورطون في ما حصل. وكان ميقاتي تابع الإجراءات الأمنية التي اتخذها الجيش وأكد عدم استغلال ما حدث لنشر القلق والخوف ودور وسائل الإعلام في تغليب لغة الهدوء. أما فريقا الاشتباكات المباشران في باب التبانة وبعل محسن فقد تبادلا الاتهامات بالتسبب بها واشتكت مصادر كل منهما بأن الجيش يبدي تساهلاً مع فريق دون الآخر، بينما أصدرت قيادة الجيش بياناً أكدت فيه أن «دماء الضحايا التي سقطت لن تمر من دون عقاب وهي لن تتهاون مع العابثين بالأمن الذين تسببوا بسقوط ضحايا من المدنيين والعسكريين». ونفى وزير الداخلية مروان شربل اتهامات من قبل نائب رئيس «الحزب العربي الديموقراطي» في بعل محسن رفعت عيد لفرع المعلومات في قوى الأمن الداخلي بتوزيع السلاح. وفيما شيع ضحايا الاشتباكات التي وقعت، ومنهم الطفل عبدالرحمن حبشيتي في باب التبانة وسط غضب شديد، أجرى مفتي طرابلس الشيخ مالك الشعار اتصالات طوال ليل أول من أمس ونهار أمس مع فريقي الاشتباكات من أجل التهدئة، وينوي المفتي الشعار الدعوة الى اجتماع بين ممثلين عن الأهالي والمجموعات الموجودة في كل من بعل محسن وباب التبانة، خلال اليومين المقبلين على أساس الالتزام بالمصالحة التي كان رعاها الرئيس الحريري قبل نيف وسنة، لمعالجة ذيول ما حصل. وأجرى الشعار اتصالات مع المسؤولين السياسيين بخصوص التدابير الأمنية المتخذة وتطبيقها.