لم يعد الطب محصوراً في معالجة آلام المرضى فحسب، بل امتد لمعالجة بعض القضايا الشرعية المنظورة من قبل القضاء السعودي، خصوصاً قضايا «الحضانة» وذلك من خلال إبداء «رأيه» في صحة «الحاضن». وفي هذا السياق، رفضت محكمة محافظة القريات التابعة لمنطقة الجوف الاعتداد بأحد «التقارير الطبية» في حكمها على قضية حضانة «طفلة» (أكثر من سبعة أعوام) لصالح جدتها المسنة التي تجاوزت سن «التمييز»، إذ حكمت بحضانتها إلى جدتها من أمها التي تبلغ من العمر أكثر من 50 عاماً وسحبها من والدها الذي قدم اعتراضاً على الحكم. وتضمن التقرير الطبي لحال الحاضنة (الصادر من ثلاثة أطباء) أنها تعاني من ارتفاع بسيط في ضغط الدم وتغيرات «مفصلية تنكسية» مزمنة في مفصلي الركبتين، وجاء في التقرير: «بالنسبة لمقدرة الحاضنة على الحضانة فإن هذا يعتمد أيضاً على عمر «البنت» المطلوب حضانتها والحال الصحية لها والظروف الأخرى». من جهتها، أبدت محكمة الاستئناف في الرياض متمثلة في الدائرة المختصة بتمييز قضايا الأحوال الشخصية والإنهاءات، ملاحظاتها على محكمة محافظة القريات التي قضت بأن تكون حضانة «الطفلة» التي تبلغ من العمر أكثر من سبعة أعوام إلى جدتها. وأوضحت أنها لاحظت أن ما حكم به قاضي محكمة القريات من حضانة المذكورة (موضوع الدعوى) لجدتها من أمها «محل نظر»، بعد أن ظهر من عمرها تجاوز «سن التمييز» ما يحتاج معه إلى مزيد من العناية في التربية والحفظ والصون وهو المعنى الذي نظر إليه من ذهب إلى أن حضانة البنت بعد السابعة لدى أبيها من المحققين من أهل العلم في حال صلاحيته للحضانة. وطالبت «الاستئناف» القاضي بالتأمل في ما ذكر، والرجوع إلى كلام المحققين من أهل العلم في ذلك، لا سيما أن الطفلة ستدفع لغير أمها ما قد يعرضها (وقد قاربت البلوغ) إلى اختلاط ونحوه. بدوره، أكد والد «الطفلة» (تحتفظ «الحياة» باسمه) أن الحكم الصادر في قضية الحضانة الذي تم تصديقه أخيراً ظهر فيه تضارب في الأحكام، مشيراً إلى أنه جمع ملف قضيته إلى وزير العدل للنظر فيها.، مطالباً المحكمة العليا بالتدخل ونقض الحكم، ومفيداً أن هناك أدلة تم تقديمها إلى المحكمة ولم يتم النظر إليها في الحكم السابق، خصوصاً في ما يتعلق بالتقارير الطبية المتعلقة بجدة «الطفلة» من أمها التي اثبت الأطباء أنها لا تستطيع القيام بالمهمات التي يتطلبها حالها الصحية. من جانبه، نصح القاضي في وزارة العدل الدكتور عيسى الغيث والد الطفلة باللجوء إلى الدرجة القضائية الثانية، وقال في تعليقه ل «الحياة»: «أعتذر عن المشاركة في القضية لكونها منظورة من قاضٍ آخر ولا يجوز لي التدخل في عمل غيري، إذ هذا من اختصاص القاضي كسلطة تقديرية كفلها له الشرع والنظام، بيد أنني أرى أن من حق المتظلم اللجوء إلى الدرجة القضائية الثانية». وفي الصدد ذاته، أكد المحامي وعضو هيئة التحقيق والادعاء العام سابقاً الدكتور إبراهيم الأبادي أن القاضي هو من يقدر إن كانت «الحال» التي ترغب في الحضانة تستطيع القيام بذلك، مشيراً إلى أنه لا يحق للأطباء أياً كانوا التدخل في قضايا الحضانة. وزاد: «إن الحضانة إلى سن سبعة أعوام تكون للأم وما بعد يكون للأب، إلا إذا كانت هناك طوارئ أو ظروف كأن يكون الأب غير مؤهل لتربية الأبناء، منوهاً بأن «الولد» يخير في البقاء مع أمه أو والده، في حين أن «البنت» تنتقل إلى والدها بعد سن السابعة. وعن التدخل الطبي في القضية، قال المحامي طارق الشامي إن التقرير الطبي لوحظ فيه تدخل اللجنة الطبية في موضوع الحضانة وهو ما لا يدخل ضمن اختصاصاتهم وكان يتوجب عليهم الإجابة عن الحال الصحية ل «الحاضنة» فقط. وأردف: «الكل يعلم أن قضايا الحضانة في السعودية يتميز فيها عنصر المصلحة للمحضون، وأن الحضانة (بحسب الشريعة الإسلامية) هي للأم ثم أم الأم وأم الأب ثم الأب، على اعتبار أن في بقاء البنات مع نساء أمثالهن مصلحة، خصوصاً في حال تغير ظروفهن الجسدية حتى يراقبنهن، إذ لا تخجل الأنثى من تغييرات جسدها وتستشير أمها وجدتها لأمها وجدتها لأبيها فيما يطرأ عليها من تغيرات». وحول القضية المنظورة، قال: «أعتقد أن الأب لم يجد طعناً شرعياً في حضانة «أم الأم» لهذه الطفلة سوى كبر سنها وبالتالي فإن القاضي عرضها على لجنة طبية لاستبيان تمييزها ورجاحة عقلها وأهليتها حتى يكمن عنصر المصلحة ويتحقق».، لافتاً إلى أن بقاءها مع امرأة إذا كانت كبيرة في السن ولا تميز ومريضة وفاقدة للأهلية لا يحقق أي مصلحة لها بل يسبب لها ضرراً بالغاً.