باتت حكومة رئيسة الوزراء البريطانية تيريزا ماي محاصرة بين مؤيدي الاتحاد الأوروبي، والمتشددين ضده المرجح انضمامهم إلى حزب «العمال» لطرح الثقة بها. كما بدأ حليفها «الحزب الوحدوي الديموقراطي» الإرلندي الشمالي الذي أمّنت أقلية برلمانية بدعمه، يطالبها بالقبول بشروط أوروبية تتعلق بالحدود مع المملكة المتحدة وجمهورية إرلندا. وفي ما اعتُبر «رشوة جديدة» للحزب، قررت ماي منحه بليون جنيه إسترليني، بناءً على اتفاق سابق، مقابل تصويته لمصلحتها، ما يعرض حكومتها لخطر المساءلة أمام البرلمان الذي لم يعرض عليه القرار لمناقشته. وأفادت معلومات صحافية أمس بأن الاتحاد الأوروبي سيصدر قراراً يُلزم إرلندا الشمالية تطبيق قوانينه، إذا قررت بريطانيا الانسحاب من السوق المشتركة والاتحاد الجمركي. وأضافت أن فرنسا وألمانيا لن تسمحا بتلاعب لندن في هذه المسألة الحساسة، وتصران على توقيع اتفاق قانوني يضمن عدم تهربها من الاستحقاق. ويُتوقع أن يُحدث القرار الأوروبي، حين صدوره خلال أيام، انفجاراً كبيراً. ف «الحزب الوحدوي الإرلندي» الذي يدعم الحكومة بقوة سيرفض العرض الأوروبي، إلى جانب المحافظين المتشددين، ما يعرقل عمل المفاوضين مع بروكسيل. ويحذر القرار المملكة المتحدة من إلزامها نقل حدودها إلى البحر الإرلندي، إذا أصرت على عدم العمل بالقوانين الأوروبية. جاء هذا الموقف بعد إعلان زعيم حزب «العمال» جيريمي كوربن أول من أمس التزامه البقاء في الاتحاد الجمركي، إذا أصبح رئيساً للوزراء. وتقول مصادر أوروبية إن التزام بريطانيا هذا الأمر، أياً يكن رئيس الوزراء فيها، يمكن أن يشكل أساساً لبناء علاقات تجارية بين الطرفين. ويُحتمل أن تتجاهل بروكسيل تسوية تقترحها لندن لمسألة الحدود، وتصر على عقد اتفاق وفق قوانينها. وكان الاتحاد رفض اقتراحاً بريطانياً لمسألة الحدود، يقوم على استخدام التكنولوجيا لمراقبتها بدلاً من وضع حواجز، واعتبره «تفكيراً خيالياً»، وشكك في امتلاك لندن «حلاً محدداً» يمكن قبوله، لأن القضية مطروحة منذ 15 كانون الأول (ديسمبر) الماضي، و «لم نسمع منها أي جديد». ويُرجح أيضاً نشوب خلاف بين ماي و«الحزب الوحدوي»، إذا أصر الاتحاد على موقفه، لأن الحزب ربط دعمه لها بتضمين الاتفاق مع بروكسيل نصاً يؤكد عدم وجود حواجز بين إرلندا والمملكة المتحدة، لكن المفوضية الأوروبية ترى أنه مجرد وعد من ماي لا يلزمها بشيء. وكانت ماي أبرمت اتفاقاً مع الحزب لدعم حكومة الأقلية التي تقودها، مقابل تمويل إضافي ببليون جنيه إسترليني لبلفاست. ودامت المفاوضات أكثر من أسبوعين، بعد خسارتها الغالبية في مجلس العموم (البرلمان)، إثر مراهنة فاشلة على انتخابات مبكرة نُظمت عام 2016 لتعزيز موقفها قبل بدء مفاوضات الانسحاب من الاتحاد «بريكزيت». واحتاجت إلى دعم الحزب لتشكيل حكومة، إذ لم يعد لدى «المحافظين» سوى 317 صوتاً من 650، ما عرّضها للتصويت على سحب الثقة منها، قبل أن تشكل حكومتها بدعم من النواب الإرلنديين العشرة. وأعرب أعضاء بارزون في حزب «المحافظين» يومها عن قلق من إبرام الاتفاق، منبّهين إلى أنه قد يعرّض للخطر تسوية سلمية أبرمت في إرلندا الشمالية عام 1998. ورأست ماي وزعيمة الحزب الإرلندي أرلين فوستر مراسم توقيع الاتفاق في مقرّ رئاسة الوزراء في 10 داوننغ ستريت في لندن، وابتسمتا وتبادلتا المزاح، فيما وقّع مفاوضان من الجانبين الاتفاق الذي يستمر حتى انتهاء ولاية البرلمان عام 2022. ورحبت ماي ب «اتفاق يمكننا من العمل معاً لمصلحة المملكة المتحدة كلها، ويعطينا الثقة المطلوبة للخروج من الاتحاد، ويساعدنا في بناء مجتمع أكثر قوة وعدالة». وأشارت فوستر إلى أن الاتفاق ينصّ على حصول إرلندا الشمالية على بليون جنيه إسترليني إضافي خلال سنتين، «ما يعزّز الاقتصاد والاستثمار في البنى التحتية الجديدة، وفي قطاعَي التعليم والصحة». ويتيح الاتفاق لماي تمرير تشريعات والبقاء في الحكم، بدعم من الحزب في البرلمان، أثناء التفاوض على خروج بريطانيا من الاتحاد. لكن موقفها لا يزال مضطرباً، إذ تخضع إستراتيجيتها لنقاش كبير داخل حزبها وخارجه. كما استقطب خطاب كوربن الأخير، وإعلانه قبولاً بالبقاء في الاتحاد الجمركي الأوروبي، نواباً محافظين ضدها.