رأت مصادر حزبية أن النتائج السياسية «الحقيقية» للانتخابات البلدية المغربية التي جرت الجمعة الماضي، لن تظهر إلا بعد تشكيل مكاتب البلديات واختيار رؤسائها، ثم انتخاب عمد المدن. وعزت ذلك إلى أن أعداد المقاعد التي حازت عليها الأحزاب الرئيسة وبلغت نحو 90 في المئة من المقاعد المتنافس عليها (حوالي 38 ألفاً) لا تعكس بالضرورة الحجم السياسي لهذه القوى، إلا في نطاق ما ستقود اليه التحالفات من ترضيات وتنازلات. ويقول مراقبون إن أهم خلاصات نجمت عن اقتراع الجمعة لا تقتصر على حيازة حزب «الأصالة والمعاصرة» الحديث النشأة القريب من الملك محمد السادس، على المرتبة الأولى بأكثر من ستة آلاف مقعد ونسبة تفوق 21 في المئة، وإن كان ذلك أحدث هزة في المشهد السياسي، لكنها تتمثل أيضاً بانفراده القوى بتسيير مجالس منتخبة ذات أهمية نوعية في كبريات المدن وقضاءات الأرياف. لذلك، اعتبرت المواقف الايجابية التي عبرت عنها الزعامات السياسية لأحزاب مثل «الاستقلال» و «الاتحاد الاشتراكي» و «الحركة الشعبية»، بل حتى «العدالة والتنمية» الإسلامي، رغم أنها لا تنظر بارتياح الى «الاكتساح» الذي أحدثه حزب الوزير السابق المنتدب في الداخلية فؤاد عالي الهمة، نوعاً من السلوك السياسي الذي يهدف إلى طمأنة القواعد، واستمالة المنتخبين الجدد إلى صفوفها للبدء في تشكيل مجالس البلديات التي يحتاج الكثير منها إلى تحالفات خارج السياق المتعارف عليه في الخطوط الحمر بين الموالاة والمعارضة. بيد أن «حزب الاستقلال» الذي يتزعمه رئيس الوزراء عباس الفاسي اعتبر أنه «المنتصر الأول» بالمفهوم السياسي، أقله أن مرشحيه ينتسب معظمهم إلى الحزب المحافظ ذي الجذور التاريخية والمرجعية الإسلامية، «ولم يلجأ إلى توريد مترشحين من الخارج»، على حد تعبير عضو قيادي في الحزب. وجاء فوز بعض وزراء الحزب، وكذلك عمدة فاس حميد شباط الذي كان أثار جدلاً مع «الاتحاد الاشتراكي»، مؤشراً إلى عدم تراجع نفوذ الحزب الذي كان في مقدم من واجهوا الوافد الجديد «الأصالة والمعاصرة»، وإن بدرجة لا تكرس القطيعة، بدليل أن بعض مرشحي «الاستقلال» لم يجدوا مانعاً في التحالف «الاحتجاجي» مع منتسبين إلى «الأصالة والمعاصرة» ضد تجاوزات جمعيتهم. لكن مأزق «الاستقلال» يكمن في أنه لم يكن يرغب في إضفاء طابع سياسي مباشر على انتخابات البلديات، كي لا يعتبر خروج أحد مساندي حكومته بداية أزمة حكومية، كما أن تعليق عضوية وزير التعليم أحمد خشيشن في قيادة الأصالة والمعاصرة كان رسالة لناحية عدم تأثر التركيبة الحكومية بمعارضة أحد مسانديها السابقين، وإن كان الراجح أن هذا الوضع لا يمكن أن يستمر طويلا، أقله في أول تعديل وزاري قد يطاول حكومة الفاسي. ويرى «الاستقلاليون» في فوز وزير التجهيز والنقل كريم غلاب في دائرة في الدارالبيضاء «رداً على الانتقادات العنيفة» التي وجهت ضده بعد العاصفة التي كان تسبب فيها قراره إزاء معاودة تنظيم قانون السير. وكذلك الحال مع عمدة فاس الذي كان أثار غضب «الاتحاد الاشتراكي» لدى اتهامه القائد التاريخي لليسار المغربي الراحل المهدي بن بركة بالتورط في تصفية خصومه السياسيين، إذ أن المدينة يتوزع ولاؤها بين «الاستقلال» و «الاتحاد الاشتراكي». أما «الاتحاد الاشتراكي»، فحل رابعاً بعد حصوله على حوالي 11 في المئة من الأصوات، وهو موقع متقدم بعض الشيء قياساً إلى تراجع نفوذه في الانتخابات التشريعية في العام 2007. غير أن هذا التطور لم يدفع قيادة الحزب إلى تغيير حساباتها، فهي تعول على إقامة تحالفات لحفظ مواقعها في بعض المدن الكبرى مثل أغادير على الساحل الأطلسي، وبعض مراكز النفوذ التقليدي. وستكون نتائج تلك التحالفات التي قد تقلب كل المعادلات، محور انشغال الحزب الاشتراكي الذي يضع رجله في الحكومة ويرمي ببصره بعيداً في اتجاه احتمالات العودة إلى المعارضة في حال تبين له أن ذلك قد يساعده على ترميم صفوفه لخوض اقتراع في العام 2012. ورغم أن حزب «العدالة والتنمية» جاء في المرتبة الأخيرة في الانتخابات، فإن قياديين فيه يرون أن موقعهم من حيث أعداد الأصوات والدوائر بالنظر إلى رهانهم على المنافسة في 40 في المئة من الدوائر فقط، «لم يتأثر كثيراً». غير أن تراجع الحزب الى المرتبة السادسة بعد أن احتل الثانية في الاستحقاقات البرلمانية السابقة يعكس الفارق بين الرهانات. وفي حين رأت مصادر أن «الأصالة والمعاصرة» دخل سباق الانتخابات النيابية المقررة العام 2012 بسرعة لافتة، فإن غالبية الشركاء السياسيين يضعون في الاعتبار أن حجم النفوذ في اقتراع البلديات يؤثر سلباً أو إيجاباً في الاستحقاقات التشريعية، ما يعني أن منافسات العام 2012 بدأت، رغم أن الولاية الاشتراعية الحالية لم تكمل نصفها الأول. لكن أكثر الجولات التمهيدية تأثيراً سيبدأ عند انطلاق منافسات الناخبين الكبار لاختيار ثلث اعضاء مجلس المستشارين (الغرفة الثانية في البرلمان). ويبدو، حسب المصادر ذاتها، أن الشكوى من تأثير استخدام الأموال في توجيه الناخبين ستتخذ طابعاً أكثر حدة، إذ بدأت منذ ليل الجمعة صراعات وتحالفات معلنة وأخرى في الكواليس، ستذهب وفق المتداول إلى شراء أصوات بعض المنتخبين الجدد، بعد أن اقتصرت على شراء ميول الناخبين.