قبل أربعين سنة، أو نحوها، تمكَّن المذيع السوري مروان صواف، من صنع ظاهرته الخاصة. شكل نموذجاً للمذيع المثقف، القادر على كسر النمطية الطاغية، بجمودها، على شاشة التلفزيون العربي السوري، وبناء أشكال متفاعلة من العلاقة مع الجمهور الاضطراري، في عالم ما قبل الفضائيات، والذي كان محكوماً، حينها، بقناتين رسميتين، أو الفرار إلى قنوات شقيقة، أو صديقة، مجاورة، يبدع كثر في اختراع السبل التي تمكنهم من التقاط أثيرها، مشوباً بكثير من الشغب البصري. يذكر الجمهور السوري هذا المذيع، ومجموعة برامجه، الثقافية المنوعة، التي كان يقدمها، بطريقة جاذبة للاهتمام، قبل أن يختفي فجأة، لنعلم في ما بعد أن التلفزيون العربي السوري، وباعتباره بيئة طاردة بامتياز، طوَّح به خلف الحدود، ليظهر بعد سنوات على شاشة قناة «الشارقة». اكتشاف المذيع مروان صواف، مرة أخرى، يستعيد بتألق معهود، نبرته، وطريقته بالكلام، وقدراته المميزة، وثقافته الواسعة، تلك التي كانت قبل سنوات طويلة، سمته التي عُرفت باسمه، تماماً إلى الدرجة التي جعلته مشهوراً، بما لا يقلّ عن نجوم السينما والمسرح، في سورية، وهو ما لم يحققه مذيعون سوريون آخرون. يعود مروان صواف على قناة «الشارقة» الفضائية، مع برنامج «فوق السطر»، وهو من النوع المعتاد عليه. ثمة تزاوج عميق، بين الحوار الهادئ الحافل بالفائدة والمتعة، والذهاب نحو ما يليق باحترام عقل المشاهد، ويرضي رغباته. فكانت الحلقة مع المخرج العراقي قيس الزبيدي، نموذجاً رائقاً، يستحق التوقف عنده. مع الزبيدي، تتشعب اتجاهات الحوار، لتلامس جوانب من «السينما التسجيلية» و«الوثائقية»، مروراً برشاقة ما بين «سينما الحقيقة»، و«سينما الواقع»، والتوقف أمام «نظرية المونتاج»، في السينما، وأبرز الأعلام الأوائل المجلّين. منذ قرابة نصف قرن، اختار الزبيدي لنفسه الاشتغال على نوع مغاير من السينما، يذهب إلى عمق الحياة، وجوهرها. نوع يتناول أهم القضايا وتعبيراتها؛ شؤونها، وشجونها. سواء أكان الزبيدي مصوراً، أو مونتيراً، أو مخرجاً، لم يبتعد عن هذه الاهتمامات، لا في أفلامه، ولا في الأفلام التي تعاون مع مخرجيها لإخراجها إلى النور، تماماً إلى الدرجة الذي بات لقب «جراح السينما العربية»، يصحّ عليه، ويتلبَّسه. يتمكّن صواف من إدارة الحوار مع الزبيدي، بقدرة العارف، الذي أحسن الإعداد. يبدأ من السينما، فناً وعلماً ونظريات واتجاهات وتيارات، ولا يغفل عن «موسوعة سينما القضية الفلسطينية» التي حققها الزبيدي، ولا ينتهي عند هموم السينما، والسينمائي العربي. وتبقى الحصة الأكبر من الحوار، مرصودة للهاجس السينمائي، الذي لا يتخلّى عنه الزبيدي، لحظة: المونتاج، إيماناً منه بأن «القوة الخالقة لكيان الفيلم، هي المونتاج». يؤمن الزبيدي أن «المونتاج موجود في كل شيء في الدنيا»، ولا يغفل عن طرافة فكرة، شائعة، مفادها أن «المونتاج، مهنة نسائية»، ففي معهد السينما، في ألمانياالشرقية، أوائل الستينات، كان قيس الزبيدي «الطالب الوحيد بين عشر طالبات».