في لقاء تلفزيوني مُميّز، لم يكفّ المسرحي جواد الأسدي عن استحضار والدته، أم جواد، والانتباه إلى أثرها الكبير، على رغم بساطتها وعفويتها، في تكوين شخصيته، وصنع ماهيته، التي جعلت منه واحداً من أهمّ المسرحيين العرب، في الربع الأخير من القرن العشرين، ومطالع القرن الحادي والعشرين، بما يفيض عن المسرح العراقي، وليمتدّ أثره إلى المسرح العربي عموماً، وفي مقدمه المسرح الفلسطيني والسوري واللبناني، الذي قدّم على خشباته، عدداً من أهم الأعمال المسرحية العربية، والعالمية، التي ستبقى تُؤْثر عنه. كان ذلك الاستحضار، في حوار شيّق، اغتنم فرصته المذيع السوري مروان صواف في برنامجه «فوق السطر» عبر قناة «الشارقة»، خلال تواجد الأسدي في «أيام الشارقة المسرحية». إذ أن اللقاء مع مسرحيّ من هذا الطراز، هو فرصة نادرة، لا بد من استثمارها، فكان اللقاء على قدر مناسب من قامتين عاليتين، كلّ في مجاله. لا يترك الصواف لقاءاته رهناً لأيّ ارتجال، بل تعلّمنا برامجه، منذ أيام التلفزيون العربي السوري، قبل أكثر من عقدين، وحتى برنامجه الحالي على شاشة «الشارقة»، كيف يمكن للمذيع أن يكون مثقفاً حقيقياً، ولا يكتفي بذلك، ولا يركن إليه. فلا بدّ من مسارات تحضير وإعداد، ومعرفة شاملة بجوانب التجربة التي حقّقها الضيف، قبل لحظة الدخول في السؤال الأول من الحوار معه. لا ينازع الصواف ضيفه، ولا يحاول مقاسمته ألق الحضور على شاشته، من خلال مقاطعة استرساله في الحديث حيناً، أو الاستطراد في الكلام بما لا يستلزم السؤال، بل إنه يترك لضيفه الوقت كاملاً ليقول ويتألّق، بخاصة وأنه اعتاد دائماً على التميّز في اختيار ضيوفه، من المبدعين في مجالاتهم. سيعترف جواد الأسدي، في النهاية، أنه كان خلال هذه الحلقة في واحد من أجمل اللقاءات التي أُجريت معه على التلفزيون. ولن يتردّد الصواف عن القول إن كل محور من محاور اللقاء يحتاج في الحقيقة لحلقة كاملة. وبعيداً من المجاملة التي لا محلّ لها هنا، يمكن القول إن كل منهما كان على حقّ. ويمكننا، من ناحيتنا، كمشاهدين، القول إننا كنا فعلاً أمام حوار استثنائي، كشف الكثير من الجوانب الشخصية والفنية الإبداعية للمسرحي جواد الأسدي، بما دفعه للغوص في أعماق تجربته الإبداعية، وملامسة الكثير من وجدانياته، والاعترافات المدهشة، تماماً في الوقت الذي أكّد مهارة الصواف، في إدارة حوار على غاية من العمق والثقافة، كما على مقدار كبير من الاحترام، للضيف والمشاهد، معاً. يتعارف كثر من المشاهدين على أن قناة «الشارقة»، من القنوات العربية التي تحتفظ لنفسها بكثير من الرصانة، والميل إلى البعد الثقافي في برامجها، وموضوعاتها. وبالاعتقاد أن حرص هذه الشاشة على احتضان خيرة المذيعين العرب، وأكثرهم ثقافة، واستضافة ألمع الأسماء، وأغزرهم إبداعاً، هو ما يؤكّد سمتها تلك، كما يؤكّد أن الجمهور العربي، مهما تناوشته الشاشات اللاهية والعابثة، يبقى باحثاً للحظة صفاء ونقاء يحتاجها.