قلّة من مشاهدي التلفزيون في مصر لا يعرفون برنامج «نادي السينما» الذي انتقل إلى قناة «دريم» بعدما ظلت الإعلامية المصرية درية شرف الدين تقدمه على شاشة التلفزيون المصري لمدة 30 عاماً. أتى تبديل الشاشات على خلفية رفع البرنامج من خريطة التلفزيون المصري (القناة الأولى) خلال مرحلة التطوير التي تبناها التلفزيون منذ شهور، فكان ان عرض رئيس مجلس إدارة قناة «دريم» أسامة عز الدين على شرف الدين خلال لقائها مع الإعلامية منى الشاذلي في برنامجها «العاشرة مساء» دعوة قناته لعرض البرنامج عبر شاشتها. يومها قالت شرف الدين على الهواء ان كل المؤشرات كانت تقول إن البرنامج سيتوقف... من فرض أفلام عليها وعدم قدرتها على اختيار ما تريد عرضه كما كان يحدث في الماضي بحجة أنها المتاحة وأن التلفزيون مرتبط بحق استغلال أفلام معينة، مروراً بأن الفيلم كان يصل الى الاستوديو قبل موعد التسجيل بيوم وبالتالي لم يكن لديها فرصة لتعرضه جيداً على الضيف، فضلاً عن تهالك الديكور من دون الرغبة في تجديده، وصولاً الى عرض البرنامج في الواحدة والنصف صباحاً. «ثم جاء اليوم الذي حضرت فيه الى القناة ليخبروني بأنهم لن يسجلوا الحلقة بعد تحضيرها واستدعاء الضيف للتعليق على الفيلم، وعندما رفضت عرض حلقة معادة - وهو ما لم أقم به طوال الثلاثين عاماً - عرض الفيلم بعد «تتر» البداية مباشرة من دون ان أظهر». تقوم فكرة البرنامج – مقتبس من برنامج فرنسي يدعى «أرشيف الشاشة»- الذي ارتبط به المشاهد المصري عقوداً، على بث فيلم أجنبي عالمي ذي قيمة فنية وسينمائية لافتة، فيعلق عليه اختصاصيون من المخرجين أو كُتّاب السيناريو أو الروائيين أو الأدباء، كل بحسب تخصصه، بطريقة بسيطة تتضمن معلومة للمشاهد الذي يصبح على دراية بأبرز المدارس السينمائية وفناني ومخرجي السينما العالمية إضافة إلى ماهية عمل غالبية القابعين خلف الكاميرات من مونتير ومنتجين إلى عاملي الإضاءة والصوت وغيره. وبذلك كان «نادي السينما» – ولا يزال- النافذة التحليلية الوحيدة للسينما العالمية في التلفزيون المصري، بل والشاشات العربية، خصوصاً مع انتشار قنوات الأفلام المتخصصة والبرامج الفنية، إذ اكتفت الأولى بعرض الأفلام من دون تحليل فني سينمائي، بينما ركزت الثانية على حياة فناني التلفزيون والسينما، نجوماً كانوا أم مغمورين مع تزويقها بحوارات هشة فضلاً عن تغطيات سريعة للمهرجانات السينمائية والفعاليات الفنية أو إيرادات شباك الأفلام الأميركية. أول حلقتين من البرنامج بعد انتقاله إلى «دريم» عكستا الإعداد الجيد والإمكانات البصرية والفنية الكبيرة التي سُخّرت لخروج البرنامج في شكل جذاب. في أولى حلقاته عرض الفيلم السينمائي ذا الصبغة التسجيلية الوثائقية العربية «سحر ما فات في كنوز المرئيات» في تقليد مغاير عن طبيعة الأفلام التي يبثها البرنامج وهي الأفلام الأجنبية. ويحكي الفيلم عن أبرز المحطات في تاريخ مصر عبر 100 عام من خلال صور وفيديوات نادرة تعرض للمرة الأولى، وهو من إنتاج قناة «دريم 2» في أول عرض له وإخراج مدكور ثابت. في هذه الحلقة استضافت شرف الدين رئيس أكاديمية الفنون ورئيس الرقابة على المصنفات الفنية والمركز القومي للسينما سابقاً ومخرج الفيلم مدكور ثابت والمصور السينمائي المخضرم سعيد الشيمي للتعليق على الفيلم. وفي الحلقة الثانية التي استضافت المخرج السينمائي سمير سيف، تابع المشاهدون فيلم «فتاة المليون دولار» من بطولة وإخراج الممثل الأميركي الشهير كلينيت ايستوود وهيلاري سوانك التي فازت عن دورها فيه بجائزة الأوسكار لأفضل ممثلة عام 2005، كما فاز ايستوود بجائزة الإخراج وأفضل فيلم فضلاً عن جائزة «غولدن غلوب» للتمثيل والإخراج. في الإطلالة الجديدة لم تتخل درية شرف الدين عن هدوئها المعتاد في إدارة الحوار، ولكن ارتسمت على وجها ابتسامة رقيقة عانقت الكاميرا غالبية الوقت. تلك الابتسامة التي لم يعهدها المشاهد المصري كثيراً على هذا الوجه الأرستقراطي. ربما تكون هذه الابتسامة هي ابتسامة الانتصار. الانتصار على بيروقراطية التلفزيون المصري وعلى منتقدي البرنامج لمجرد أنه شارف على تخطي ال 30 عاماً. أو ربما هي ابتسامة اللامستحيل الممزوج بالثقة بالنفس، وكأن لسان حالها يقول: «نعم تخطيت الستين من العمر وأوشك «نادي السينما» على تخطي ال 30 عاماً لكن خبرتي الطويلة ومهنيتي النادرة وكفاءتي الإعلامية تفوقت على بيروقراطية التلفزيون المصري الذي أراد الشكل والمظهر وصغر السن بصرف النظر عن المضمون». يذكر أن درية شرف الدين كانت من قيادات التلفزيون المصري إذ تبوأت منصب رئيس قطاع القنوات الفضائية، وكانت تقدم برنامج بعنوان «سؤال» على الفضائية المصرية الى جانب «نادي السينما». لذا فإن قرار استبعادها وانتقادها خطط التلفزيون المصري وسياسته البرامجية تدعو الى التفكير ملياً في ما آلت إليه هذه الشاشة انطلاقاً من مبدأ ان «أهل مكة أدرى بشعابها». على صعيد آخر، لا يمكن إغفال قفزات «دريم» الإعلامية منذ نشأتها عبر ضمها أبرز إعلاميي مصر ونوعية إنتاجها التثقيفي الترفيهي، بداية من محمود سعد «على ورق» وحمدي قنديل «رئيس التحرير» ووائل الإبراشي «الحقيقة» ومنى الحسيني «نأسف للإزعاج»، إلى منى الشاذلي «العاشرة مساء» وأحمد المسلماني «الطبعة الأولى» وعمرو الليثي «واحد من الناس» وأخيراً درية شرف الدين «نادي السينما».