في ليلة واحدة عرضت فضائيتان متخصصتان في عرض الأفلام الأجنبية، فيلمين معروفين هما: «العطر»، و «عيون مغلقة باتساع»، وقد شدّ عرضهما الانتباه إلى مسألة مهمة تتمثل في كيفية تعامل الشاشة الصغيرة مع الشقيقة الكبرى، السينما. لن نتحدث هنا عن شروط العرض، والتغييرات التي تطرأ على آلية التلقي من الصالة السينمائية إلى شاشة التلفزيون، بل يتعلق الأمر بتفصيل، وإن بدا بسيطاً، لكنه يستحق المناقشة، فالمعروف أن هذين الفيلمين يحويان عدداً من اللقطات والمشاهد «الإباحية» الموظفة في السياق الدرامي للفيلم، خصوصاً فيلم «العطر»، غير أن الفضائيتين اضطرتا إلى حذف تلك المشاهد، ذلك أن «العقلية العربية» لن تسمح بمرور تلك اللقطات مرور الكرام. هنا لا بد من التذكير بأن التلفزيون يقدم كل شيء مهما بدا تافهاً من الشعوذة والدجل، إلى الأغاني الهابطة، إلى البرامج السخيفة... لكنه ينصّب نفسه حامياً ل «القيم الأخلاقية» عندما يتعلق الأمر بفيلم أجنبي تظهر فيه بعض اللقطات غير المقبولة بالمقاييس العربية. المشكلة أن اللجوء إلى طريقة القص العشوائي يفقد الفيلم الكثير من جمالياته، فليس عبثاً أن عملية المونتاج تحظى بعناية بالغة واهتمام خاص، وكم من فيلم سقط أو نجح بسبب المونتاج! ويأتي التلفزيون ليشوّه إيقاع الفيلم وتناغمه عبر عمليات الرقابة الصارمة طالما أن أحداً لن يعترض، بل ربما سيتلقى عبارات الثناء. ينبغي ألا يفهم من هذا الكلام انه دعوة إلى «التمرد على القيم السائدة»، بل للإشارة إلى أن السماح بعرض لقطات ومشاهد عابرة في فيلم سينمائي، ومدروسة على نحو فني متقن لن يسيء إلى سمعة التلفزيون بل سيرفع رصيده، وإذا كان لا بد من القطع فيجب أن يتم وفق آلية لا تربك إيقاع الفيلم، كأن يتم التشويش على تلك اللقطات قليلاً مع الإبقاء على الحوار وسير الأحداث في الفيلم لئلا يشعر المشاهد بأن ثمة خللاً فنياً في بناء الفيلم، كما حدث في فيلم «العطر» حين بدا بطل الفيلم خائفاً ومرتبكاً لأنه وضع فتاة عارية في مرجل لتجهيز العطور (لم تظهر اللقطة تلفزيونياً)، ومن لم ير الفيلم من قبل سيحار في سبب هذا الارتباك من دون أن يعرف السبب. وإذا اضطر التلفزيون إلى حذف تلك اللقطات «المحرجة»، فمن الأفضل أن يختار أفلاماً «نظيفة»؛ خالية مما قد يثير استهجان بعض المتزمتين، لكن الطريقة الأمثل تتمثل في عرض الفيلم من دون حذف، وفي توقيت متأخر، وبتكرار ذلك ستغدو المسألة مألوفة وعادية. ثم أين الحكمة في حذف تلك اللقطات بينما يعج الفضاء بقنوات تعرض كل ما يخطر على البال، فضلاً عن «الشبكة العنكبوتية» الوفية، حقاً، لاسمها. مرة ثانية نقول ان هدف هذا الحديث هو احترام السينما، طالما كان الفيلم منجزاً بصورة فنية جذابة من دون إثارة مجانية، خصوصاً أن غالبية متابعي تلك القنوات المتخصصة بالسينما الأجنبية تقدر أهمية الفن السابع، ولا تنطلي عليها خدعة الرقيب الفضائي.