أكد موظفون روس سابقون في «وكالة بحوث الإنترنت» التي يموّلها يفغيني بريغوجين، المقرّب من الرئيس فلاديمير بوتين، أن لائحة الاتهام التي وجّهها المحقق الأميركي الخاص روبرت مولر عن تورط 13 روسياً و3 شركات روسية بالتدخل في انتخابات الرئاسة الأميركية عام 2016، صحيحة وتستند الى أسس مثبتة. وأكد مارات ميندياروف الذي عمل في الوكالة، أن القسم الخاص بموقع «فايسبوك» التابع لها تعاقد مع أشخاص يملكون مهارات ممتازة في اللغة الإنكليزية، لإطلاق حملة عبر مواقع التواصل الاجتماعي تهدف الى التأثير في الرأي العام الأميركي. وأضاف أنه يصدّق ما ورد في لائحة مولر، موضحاً: «من خلال خبرتي، أؤكد أنه أسلوب الوكالة. جميع العاملين فيها يعرف أن بريغوجين يقف وراء كل ذلك، لكن أحداً لا يملك أي دليل». ولمّح إلى أن بريغوجين، الملقب ب «طبّاخ بوتين»، موّل عملية إطلاق حسابات وهمية على مواقع التواصل الاجتماعي لنشر رسائل مغرضة. ولفت إلى أن موظفي الوكالة يكرهونه لأنه لم ينشئ كافيتيريا في مبنى الوكالة، مع أنه يملك شبكة ضخمة للتموين، بل كان يطلب منهم «جلب الطعام من منازلهم». ولم ينجح ميندياروف في تجاوز امتحان اللغة الإنكليزية، بوصفه شرطاً للحصول على وظيفة في قسم «فايسبوك» التابع للوكالة، وحيث يتقاضى الموظفون ضعف الراتب الذي يجنيه العاملون في الأقسام الأخرى، وأضاف أن «الخطة الناعمة» كانت تقضي بصوغ محتوى يبدو كأن صاحبه مواطن أميركي، لذلك وُظِف «أصحاب مهارات لغوية ممتازة، ومترجمون فوريون، وخريجو جامعات يتحدثون الإنكليزية بطلاقة، ليصعب اكتشاف أنهم ليسوا أميركيين». وقال إن الوكالة كانت تضم حوالى 400 موظف، شغلوا 4 طبقات في مبنى، وعملوا بدوام 12 ساعة يومياً. وركزت غالبية العمليات على التمرّد الانفصالي في شرق أوكرانيا، والعقوبات الغربية المفروضة على روسيا. وأضاف أن الوكالة تضم قسماً للفيديو والتصوير، ويتلقى الموظفون رواتبهم نقداً، ويستند عملهم الى طرح نقاشات وهمية تثير اهتمام الجمهور الأميركي. وتابع: «عملتُ في مجموعة من ثلاثة أفراد، الأول يؤدي دور الشرير، والثاني دور البطل، والثالث محايد. فيكتب أحدنا مثلاً أن بوتين سيئ، ليناقضه الثاني قائلاً إنه جيد، ويتدخل الثالث مؤيداً أحدهما، مع نشره صوراً». وذكر أنه استقال بعد أشهر، إذ كره العمل حيث «تنقسم التعليقات إلى أسود وأبيض: أميركا سيئة، وبوتين جيد». أما ليودميلا سافتشوك، فوصفت الوكالة التي عملت فيها بأنها «فاعلة، تنشر مشاركات على مدار الساعة». وأكدت أن خبرتها تجعلها تصدق اتهامات السلطات الأميركية، مضيفة أن الموظفين كانوا يستخدمون هويات مزوّرة ليظهروا كأنهم أشخاص حقيقيون، إذ أن أهم ما في هذا العمل هو «امتلاك حساب لشخصٍ حقيقي». وتابعت: «كانوا يختلقون شخصية للحساب، يختارون لها الجنس، والاسم، ومكان الإقامة والمهنة، ما يُصعّب اكتشاف أن الحساب ليس حقيقياً». وسخرت سافتشوك من تضمّن لائحة الاتهام الأميركية 13 اسماً روسياً فقط، لافتة الى أن «عدد مَن يفعل ذلك أكبر بكثير، فالتقنيات الحديثة فاعلة في شكل لا يُصدق». وأضافت أنها أدركت فاعلية عمل الوكالة عندما تفاعل أشخاص عاديون مع الآراء والمعلومات المُختلقة التي تنشرها، و»اعتبارهم أنها تمثل أفكارهم الخاصة». ووَرَدَ في لائحة الاتهام الأميركية ان الوكالة الروسية اشترت مساحات إعلانية في الولاياتالمتحدة عبر الإنترنت، مستخدمة هويات مسروقة من أميركيين ومنظمي مسيرات سياسية، كما دفعت أموالاً لمواطنين أميركيين ليدعموا مرشحين أو يسخروا منهم. وأضافت أن مؤيّدين لليمين وأعضاء من فريق الرئيس الأميركي دونالد ترامب تفاعلوا مع آرائها وأعادوا نشر بعضها، علماً أنها سعت عبر مواقع التواصل الاجتماعي الى دعم ترامب ضد منافسته الديموقراطية هيلاري كلينتون. وأشارت لائحة مولر الى أن الوكالة استخدمت تسجيلات مصوّرة محظورة، لنشر تقارير كاذبة عن هجوم مزعوم شنّه تنظيم «داعش» على منشأة كيماوية في لويزيانا، وتسجيل إصابة بوباء إيبولا في ولاية جورجيا. كما نشرت تسجيلاً مصوراً مفبركاً لمقتل أميركية سوداء برصاص شرطي أبيض في ولاية أتلانتا، لزرع شقاق وإشاعة انعدام ثقة قبل الانتخابات الأميركية، علماً أن الوكالة بدّلت موقعها مراراً، وانتقلت من مركز تجاري إلى آخر، في الجزء الشمالي من سان بطرسبرغ. لكن أندريه زاخاروف، وهو صحافي ميداني شارك في تحقيق عن الوكالة، لفت الى أن أسماء الروس في لائحة الاتهام «عشوائية»، معتبراً أن الأميركيين «أقحموا الأسماء التي أمكنهم العثور عليها». وأضاف: «استناداً إلى معلوماتنا، فإن متهمين لا يعملون في الوكالة، ولم يعملوا فيها خلال انتخابات الرئاسة الأميركية، ما يثير شكوكاً في الاتهامات». الى ذلك، بثّت شبكة «سي إن إن» أن مولر يدرس مساعي لجاريد كوشنر، صهر ترامب ومستشاره الخاص، لجذب مستثمرين أجانب، خصوصاً من روسيا والصين، لتمويل شركته العقارية، خلال الفترة الانتقالية بين انتخاب الرئيس وتنصيبه.