لا تزال ارتدادات نشر وثائق ويكيليكس تتوالى وتتكشف عن المزيد من الحقائق والفضائح المختلفة التي تتناول الامور الداخلية والعلاقات مع الولاياتالمتحدة. وإن كانت الوثائق المتعلقة بالدول العربية حظيت باهتمام أكبر عشية التحركات الشعبية التي انطلقت من تونس وامتدت الى سورية وانشغل الناس عنها بعد ذلك، إلا انها لا تزال تفاجئ الرأي العام في الكثير من المناطق ومنها دول البلقان. فما يتعلق بدول البلقان كان من المتوقع أن تحظى هذه الوثائق باهتمام أكبر نظراً الى الظروف الصعبة التي مرت فيها المنطقة من نزاعات وحروب وكوارث، والدور السري والعلني الذي مارسته الولاياتالمتحدة هناك وانتهى الى أن تكون لها الكلمة المسموعة في ألبانيا وكوسوفو والبوسنة والجبل الاسود ومقدونيا الخ. ولكن نشر هذه الوثائق ارتبط بالاوضاع المحلية، وبالتحديد بالأحداث المستجدة والتنافس بين القوى السياسية الاقليمية والمحلية التي تحاول كل واحدة أن تلجأ لهذه الوثائق لاحراج الاخرى. وهكذا، مثلاً، نشرت الصحيفة الكرواتية «يوتارني ليست» بعد اعتقال الجنرال راتكو ملاديتش وثيقة من ويكيليكس تثبت أن بلغراد كانت تعرف حتى وقت متأخر مكان اختفاء ملاديتش. ومن ناحية ثانية اثارت سخونة الانتخابات المحلية في ألبانيا التي أجريت في أيار (مايو) الماضي، ولا تزال، الخلاف بين اليمين واليسار، وعمدت صحيفة يسارية الى نشر وثيقة لاحراج الحزب الديموقراطي الحاكم لكونها تتحدث عن كيفية تعامل الولاياتالمتحدة مع الحكومة التي يقودها هذا الحزب. وكشفت الوثائق المتعلقة بالجنرال الملاحق ملاديتش القوى الداخلية والخارجية التي كانت تساعده على التخفي على رغم الملاحقة الدولية المتواصلة. فقد كشفت وثيقة عن حديث مع ميكي راكيتش مستشار الرئيس الصربي بوريس تاديتش في 25 آب (أغسطس) 2009 ورد فيه عدم ارتياح بلغراد الى عدم تعاون روسيا معها في العثور على مخبأ ملاديتش. الحديث جرى عشية زيارة الرئيس الروسي لبلغراد، وقد اشتكى راكيتش من أن روسيا «لا تسجيب للمطالب الصربية» نظراً الى انه كان يعتقد أن ملاديتش يختبئ في صربيا ولكنه كان «يحظى بدعم من الخارج». وبعد شهور أصبحت الصورة أوضح بعد أن تعزز وجود الحكومة الائتلافية التي جاءت الى الحكم بعد انتخابات 2008 التي خسرها رئيس الحزب الديموقراطي الصربي فويسلاف كوشتونيتسا (قومي صربي) رئيس الحكومة خلال 2004-2007 و 2007-2008، ونقلت وثيقة أميركية: «في السابق كانت توجد معلومات ولا توجد رغبة (في التعاون)، أما الآن فتوجد رغبة ولكن لا توجد معلومات». ولكن الوثيقة الأهم جاءت بعد لقاء مع رئيس الحزب الديموقراطي رئيس الجمهورية بوريس تاديتش في نهاية 2009، اتهم فيها حزب فويسلاف كوشتونيتسا بأنه كان يعرف مكان اختباء ملاديتش ولكنه كان يخفي ذلك. وتورد الوثيقة رأي تاديتش الذي يتمثل في أنه حين يتم العثور على ملاديتش يمكن معرفة من كان يخبئه ومن كان يخفي ذلك، وهو ما قد حصل أخيراً. أما في ما يتعلق بألبانيا فقد كشفت جريدة «شكولي» القريبة من الحزب الاشتراكي عشية الانتخابات المحلية التي وصل فيها التنافس الى ذروته بين الحزبين الرئيسين، الحزب الديموقراطي الحاكم والحزب الاشتراكي المعارض، وثيقة من ويكيليكس لاحراج الحزب الديموقراطي تتعلق بكيفية تعامل الولاياتالمتحدة مع الحكومة الالبانية. وفي الواقع تتعلق الوثيقة بلقاء تم بين السفير الايراني في تيرانا ونائب رئيس الوزراء ووزير الخارجية إلير ميتا في مطلع ايلول (سبتمبر) 2009، حيث عرض السفير على تيرانا توقيع اتفاقيتين: الاولى للتبادل التجاري والثانية للتعاون الثقافي. إلا أنه وفي اليوم نفسه زار السفارة الاميركية مسؤول كبير في وزارة الخارجية الالبانية ليعلم السفير بما حصل في اللقاء مع السفير الايراني. وبناء على ذلك تم تبادل الاتصال بين السفارة الاميركية ووزارة الخارجية في واشنطن وانتهى الامر بتوجيه تحذير للحكومة الالبانية من الاقدام على توقيع أي اتفاق مع الحكومة الايرانية. وورد في الوثيقة التي تحمل الرقم 12958 تاريخ 11/9/2009 ما يأتي: «تطلب الوزارة من السفارة في تيرانا أن تحتج لدى مسؤولي حكومة ألبانيا في شكل سريع وأن تطلب بقوة من الحكومة الالبانية أن ترفض اقتراحات الحكومة الايرانية لتوقيع اتفاقية التجارة الحرة واتفاقية التبادل الثقافي وفق الاتفاقية الموقعة مع ايران وإقامة مركز جوي ايراني في ألبانيا». وفي التفاصيل يرد أن «ميتا اندهش حين قام السفير الايراني بتسليمه اتفاقية للتجارة الحرة ووثيقة تتعلق بوضع اتفاقية ثقافية وبرنامج لتبادل الطلاب بين البلدين. وفي الوقت الذي تبدو فيه ان مناقشة هاتين الاتفاقتين على المدى الطويل هي جزء من المصالح الايرانية قالت خارجي (نائبة وزير الخارجية) أن الايرانيين يصرون على توقيع الاتفاقيتين. والى جانب ذلك فقد عرفت الوزارة من خارجي انه طلب من وكالة الطيران الالبانية تسهيلات للطيران بين تيرانا وطهران. وتتفق الوزارة مع آراء المركز في أن اقتراحات الحكومة الايرانية لا تحركها الاسباب الاقتصادية بقدر ما تحركها الرغبة في بناء صلات سياسية مع ألبانيا». وتنتهي الوثيقة بتحذير آخر من أن «توطيد العلاقات بين ألبانيا وايران يتعارض مع رغبة ألبانيا في الاندماج الاوروبي الاطلسي. ومع أن البلدان الاخرى لها علاقات مع ايران إلا أن السوق الالباني الصغير سيعطي انطباعاً بأن رحلات الطيران التي تنطلق أو تحط في تيرانا سيكون لها تأثير كبير على ألبانيا، وبخاصة إذا قررت ألبانيا تكثيف الرحلات الجوية». ومن الواضح أن هذه الوثيقة تركت صداها حين وصلت الى الحكومة الالبانية حيث تم تجميد النظر في الاتفاقيتين المذكورتين مع ايران بناء على ماورد فيها.