في مجزرة جديدة هي الأعنف حتى الآن تمكنت قوات نظام الرئيس اليمني من اجتثاث ساحة الحرية في مدينة تعز (270 كلم جنوب صنعاء) ومحوها من على الأرض بعدما قتلت أكثر من 60 شاباً من المتظاهرين العزل. وباتت الساحة التي تعد الثانية بعد صنعاء من حيث الحجم مجرد أكوام رماد وشذرات متفحمة. وأعلنت تنظيمات شبابية في الساحة أنها قد تضطر الى حمل السلاح كخيار أخير في حال انسدت أمامها سبل الاحتجاج السلمي خصوصاً بعد منع القوى الأمنية المحتجين من نصب خيام جديدة في مكان آخر يقع على أطراف المدينة. وكانت قوة من الحرس الجمهوري والأمن المركزي اللذين يقودهما نجل الرئيس اليمني وابن شقيقه، اقتحمت الأسبوع الماضي الساحة وأحرقت الخيام وأطلقت الرصاص الحي والغاز المسيل للدموع ما أوقع عشرات القتلى والجرحى إضافة الى عشرات المعتقلين. وبدا أن المجزرة التي قوبلت بإدانة محلية ودولية تؤشر إلى إصرار النظام على اعتماد العنف في مواجهة المتظاهرين العزّل وجرهم إلى خيارات قصوى منها الحرب الأهلية. وهو ما يتناقض مع تصريحات سابقة للرئيس صالح تعهد فيها بحماية المعتصمين السلميين. ويرى البعض أن المقولة التي أطلقها الرئيس يوم 22 آيار (مايو) الماضي ومفادها أنه سيواجه التحدي بالتحدي ربما وجدت لها بعض الذريعة في ما يتعلق بالمواجهات المستمرة مع المسلحين القبليين المناصرين للشيخ صادق الأحمر في صنعاء. أما تعز فهي تغدو عارية تماماً خصوصاً أن لا قبائل هنا ولا سلاح ولا فرقة من الجيش تحمي المحتجين السلميين. وتباينت الروايات في شأن ملابسات ما جرى في تعز. ففي حين تقول السلطات ان المحتجين اقتحموا مبنى إدارة مديرية القاهرة الواقعة قرب الساحة واحتجزوا جنديين وقاما بتعذيبهما، يؤكد ناشطون أن السلطات الأمنية تصدت بالرصاص الحي لمسيرة تحركت نحو إدارة مديرية القاهرة للمطالبة بالإفراج عن شبان محتجزين فيها. المتحدثة باسم ساحة الحرية بشرى المقطري أشارت إلى وجود اختراق داخل الساحة وقالت: «ثمة فخ نصب لنا». وأوضحت المقطري أن البعض في الساحة أعلن من على المنصة عن وجود معتقلين في إدارة مديرية القاهرة المجاورة للساحة داعياً إلى تحريك مسيرة لإطلاق المحتجزين. وأضافت المقطري «اتضح لنا فيما بعد أن لا وجود لمعتقلين وأن الأمر كان بمثابة فخ نصب من داخل الساحة لتحريك الشباب باتجاه مبنى مديرية القاهرة لإعطاء ذريعة للقوة العسكرية بضربهم والقيام بما قامت به من فعل شنيع». ونفت المقطري الرواية الرسمية حول أسر جنديين وتعذيبهما وقالت «ما حصل هو أن وفي خضم إطلاق الرصاص لاحظت مجموعة من الشبان أحد القناصة على أحد أسطح المباني فتوجهت نحوه وقبضت عليه». وتردد أن من بين الذين اعتقلتهم الشرطة مرضى وأنها تلاحق الشبان الذين غادروا الساحة وهو ما نفته السلطات فيما ذكرت المقطري أن البعض ممن يطلق عليهم البلطجية اعتدوا على معتصمات ومزقوا عبايات بعضهن. والواضح أن اتساع رقعة العنف وانحسار مظاهر الاحتجاج السلمي يبدوان السيناريو المرشح لصيرورة الوضع اليمني. وكانت قبيلة بكيل الواقعة ضمن نطاق المحافظات الشمالية مثل صنعاء وعمران أبدت استعدادها لتوفير الحماية للشبان المحتجين في تعز وهو أمر لا يبدو قابلاً للتنفيذ ويرفضه كثيرون من الشبان التعزيين. فالمتظاهرون يسعون الى النأي بأنفسهم عن أي ارتباط حزبي أو قبلي للمحافظة على استقلالية تحركهم وسلميته. وفي الواقع برزت من بين الشبان المستقلين أصوات تتهم أحزاب اللقاء المشترك (المعارضة) وزعماء القبائل المؤيدين للثورة الشبابية بالتواطؤ الضمني مع النظام لخنق الثورة السلمية. ويقول جميل (34 سنة): «هولاء هم جزء من النظام القديم والسياسة التقليدية. لذا، لا يريدون تغييرها كما أن كثيرين منهم لم يستوعبوا بعد مفهوم النضال السلمي»، مشيراً إلى شخصيات معارضة غادرت البلد خلال الأزمة الى عواصم عربية وباتت تطل عبر الفضائيات وهو ما يعتبره جميل مؤشراً الى وجود استعداد مسبق للعودة الى الانجرار خلف الرئيس صالح في خياره العنفي. وتعد تعز من اكبر المحافظات اليمنية من حيث عدد السكان كما في نسبة المتعلمين والمشتغلين في حِرف مختلفة، وهي تخلو تقريباً من مظاهر القبيلة والسلاح في تمييز واضح عن بقية المدن. كما يحضر التعزيون في مختلف الميادين العامة نظراً إلى تنوع نسيجهم وانتشارهم المهني الذي يمتد الى القرن الأفريقي والدول الخليجية كما أن بينهم مهاجرين كثراً حتى إن طرفة تقال عن التعزيين تفيد بأن رائد الفضاء السوفياتي يوري غاغارين حين صعد القمر وجد على سطحه تعزياً يبيع الحلوى. ولئن وجد من بين شبان تعز من بات ينادي بحمل السلاح بدعوى «الدفاع عن النفس والعرض» الا أن ثمة من يرفض هذا الخيار «الذي يبعد التظاهرات عن وجهتها الحقيقية». ويرى أحمد طه (29 سنةً) وهو من الناشطين في ساحة الحرية، أن الحل الأمثل هو المضي في الثورة السلمية مهما بلغت فداحة القوة الضاربة للنظام وبطشه.