في لوحة للفنان السوري علي فرزات، يتحدث المسدس عن الأزهار أمام الميكروفون... أو يضرب النظام، مُمثَّلاً في رجل سمين، شخصاً نحيفاً يمثّل المعارضة، ليقنعه بالحوار. يجلس فرزات مع شخصياته على بياض الورق للسخرية من سواد الواقع، ويحمل «السُلّم بالعرض» ليرسم الظلم في ملامح الناس، ما صعد به في عيونهم وأذهانهم، وكفل له جوائز عالمية كجائزة الأمير كلاوس التي تعتبر الأرفع في العالم بعد «نوبل». أراد فرزات أن يكون الديك الذي يوقظ الصباح في دمشق، فأطلق «الدومري»، أول صحيفة مستقلة ساخرة في سورية منذ عام 1963، لكنها أغلقت بعد سنتين، لعدم خضوعها لسياسات وزارة الإعلام السورية. واليوم، بعد سنوات من إغلاق «الدومري»، يتداول السوريون لوحات فرزات، كما كان يُتداول، في الماضي، منشور سريّ، إذ كسرت خطوطاً حمراً عريضة، وطاولت بالسخرية شخصيات سياسية لطالما كانت «محرّمة». وأخيراً، حلّ موقع «فايسبوك» محلّ الورق، وصارت أعمال فرزات من ضمن ألبومات الصور لآلاف السوريين الأعضاء. لجأ فرزات إلى النشر الإلكتروني، من خلال موقعه على الإنترنت، وصفحته على «فايسبوك»، ويتحدث الفنان عن هذه العلاقة الجديدة بين أعماله والمتلقي: «كنت أظن أن استخدام وسائل النشر الإلكترونية كالقُبلة من وراء الزجاج. لكن، بعد إغلاق «الدومري» وجدت نفسي معلّقاً بالهواء، ولا بد للفنان من التواصل مع الجمهور والناس، ولم يعد لدي من سبيل سوى التواصل الإلكتروني مع جمهور فاجأني حقاً حجمه. المهم أنني استطعت، في يوم وليلة، أن أوصل كل ما كنت أنشره في جريدة «الدومري» إلى العالم كله، فحققت انتشاراً أسهل وأسرع مما حققه عملي على الورق». ويعتبر فرزات أن التواصل مع الناس أضاف له مادة جديدة، إذ يبدون آراءهم في ما أقدم... كأن «الدومري» عاد للصدور، وفي يده فانوس إلكتروني بدل فانوس الغاز، فانوس لا تطفئه عواصف الفروع الأمنية». يتكلم فرزات عن عواصف وحملات أمنية غاضبة، لكنه يعيش في سورية ويستمر في جرأته بالكاريكاتور الصريح، أفلا يخاف؟ يجيب: «حين رأيت شجاعة شباب سورية، خجلت من كل خوف، قررت تأدية مهمتي في هذه الثورة كرسام، فلا بدّ لرسام الكاريكاتور اليوم أن يكون مستعداً للنزول إلى الشارع، مع الناس، وبكامل عتاده. ولا بد من الإشارة إلى الأشياء بمسمياتها وبلا مواربة. اليوم، ما عاد هناك متّسع لدى المتلقي للتأمل، لأننا نرى شيئاً جديداً في كل لحظة، لذلك ابتعدت عن الحالة الرمزية في الكاريكاتور في شكل عام، وليس فقط في تناول شخصيات معينة». وكان فرزات تعرض لحملة تخوين، قادتها صحف رسمية، في أثناء الحرب على العراق، لتناوله الرئيس السابق صدام حسين، لكنه ما عاد يخشى «حملات التخوين التي يفبركها بعض الجهات ضد أي فنان أو مثقف صاحب موقف». ويضيف: «أعرف نهاية هذه الحملات، وكيف يحاول بعض الكذابين على القنوات الفضائية طمس الحقيقة، وأقول لهم: «إذا أردتم الخروج من الحفرة فعليكم أن تتوقفوا عن الحفر». على صفحته على «فايسبوك»، كتب فرزات تعريفاً صغيراً بنفسه كالآتي: «أنا علي فرزات، مهنتي فنان كاريكاتور، تحكمني الأخلاقيات الوطنية فقط والشارع، وأنا لا أؤمن بالسياسة ولا بالسياسيين، ومهمتي هي كسر حاجز الخوف عند الناس». فهل يرى أنه يؤدي هذا الدور فعلاً؟ يجيب فرزات: «منذ حوالى خمسين عاماً، استبدل النظام حريتنا بأخرى جاهزة، مفصّلة بمقاسات معلومة، والسلطة تمنّنا بأي مساحة من الحرية، واليوم الشارع منتفض من أجل كرامته وحريته وإنسانيته، وجمالية هذه الثورات في المنطقة أنها بلا رأس، لذا فأنا أعبر من خلال ما أتقنه، وهذا جزء من تكامل الأدوار».