ماذا لو رسم فنان شجرة ثم علْقها أمام جمهور ما، هل سيكون من السهل معرفة أي شجرة هذه ومن أي زمن هي؟ يترك فنان الكاريكاتور السوري علي فرزات (مواليد 1956) المعنى الكاريكاتوري دائراً في البلدان العربية وللآخر حرية التأويل والتمرين الذهني التحليلي لرسوماته، خط جديد للتواصل الفني بناه أخيراً مع افتتاحه صالته الخاصة في شارع باكستان في دمشق في المقر السابق لجريدة «الدومري» (أول جريدة سورية مستقلة منذ عام 1963)، ومن المفترض أن تعرض الصالة أعمال فرزات باستمرار، مع تغيير ما يعرض كل شهرٍ أو شهرين. ما كان لاذعاً بالأمس أصبح اعتيادياً ويحمل منطقاً ما في هذا المعرض، فشكل الشخصيات وأفعالها لا يمس أحداً بقدر ما يعبر عن آلية تفكيرٍ قد توجد بيننا بنسب متفاوتة، سيطرة الرجل على مقدرات المرأة في المجتمع العربي وتحويلها إلى شيء يعلْق، أو يستهلك، كان على سويةٍ واحدة مع تسيّد عقلية مشابهة في علاقتها مع الرجل، ويصوغ فرزات المجتمع ضمن أشكالٍ مضحكةٍ حدّ الإيلام، ملوناً أغلب رسوماته الكاريكاتورية، المنتمية إلى نتاجه في السنوات الأخيرة. «صراحة رسام الكاريكاتور بصراحة الأسود والأبيض» يكتب فرزات عبارات على موقعه الإلكتروني على شبكة الإنترنت، وأصبح الموقع مع صفحته الشخصية على شبكة التواصل الاجتماعي «الفيس بوك» مجالاً للحوار، والنقاش؛ الوسيلتان العصريتان تكملان مبْدأ الصالة واحتوائها على منتجات فنية لرسوم الكاريكاتور، كي ترسخ حضورها الساخر في الحياة اليومية على: «أكواب، ستائر، ستاندات، إكسسوارات، وسائد، لوحات مجسمة، لوحات منسوخة، بطاقات، مفارش، نحت نافر من الجبس»، ويقول فرزات ل «الحياة»: «أريد ولادة ثقافة جديدة للحوار بين الناس، والبقاء حاضراً في أذهانهم، لذا، أترك باب صالتي مفتوحاً». ما ينطبق على كل زمان ومكان، ليس له ثبات زمني أو مكاني لدى فرزات: «رسوماتي تنتقد ممارسات، لأجل هذا أنتجت انتقادات عدة لي ومنعْت على إثرها من دخول دول عربية»، تسببت لوحة «الجنرال» مثلاً (جنرال يسكب من وعاء أوسمة كمية منها لرجل فقير) كما يوضح الموقع الإلكتروني الشخصي لفرزات الحاصل عام 2002 على جائزة الأمير كلاوس الهولندية، ب «مشكلة ديبلوماسية بين العراق وفرنسا في أثناء عرضها بباريس عام 1989»، إلا أنها تعرض بتلقائية في الصالة السورية من دون أيّة مشكلة، أو تحميل زائد للمعنى العام، أو تهويلٍ للمساحة البصرية للوحة التي لا تتجاوز عشرات السنتمترات، فما هو السر؟ الذي يجعل الكاريكاتور يؤرق البعض: «أرسم ما يكسر كل سلة البيض الهش دفعة واحدة، فمشكلتي مع الأنظمة الشمولية». في زاوية الصالة علقت بعض مقالات الصحافة العالمية مع فرزات، ومنها «جعلوني مبدعاً - نيوز ويك»، واعتبرت المجلة الأميركية «رسوماته تعالج قضايا الإنسان العربي من الجوانب كافة، وأنها أبرزت معاناته بصورة جلية، وتتابع المجلة عن آلية التجسيد الساخر للواقع: «يرسم رموزاً وبالشفرة كي يهرب من أجهزة القمع العربية، التي تترصد كل شيء»، 213 لوحة كاريكاتورية ضمها كتاب فرزات «قلم من الفولاذ الدمشقي» المرافق للمعرض الأول في صالته، وأتيحت النسخة الأولى أمام الزوار بسعر (17 دولاراً أميركياً). عام 1994، رشحت صحيفة «لوموند» الفرنسية فرزات للتكريم كواحد من بين أهم خمسة رسامين في العالم للأعمال الإنسانية، يضاف إليها اليوم كل القيم الجمالية الحاضرة في معرضه، ومنها أعمال الموتيفات (الخطوط الأولية) لرسوم تراثية مكبرة لاحقاً بالأبيض والأسود على أقمشة خام بيضاء، هي مساحة مختلفة لرؤية فرزات كفنان ليس ببعيد عن مقولته: «رسوماتي كانت دوماً تسحب البساط من تحت أقدام النصابين والمحتالين في العالم»، فشخصيات المقاهي في أعمال الموتيفات ذاتها في الكاريكاتور، والاختلاف أن أحدها استعراضي مضخم بسلبياته واستحواذه على المشهد البصري، والآخر إنساني في اندماج كلي مع بيئته الحضارية العربية الطبيعية. في مطلع الستينات لعب فتى الثانية عشرة لعبة للكبار فأرسل في البريد أول كاريكاتور إلى صحيفة الأيام السورية (حول اتفاقية «إيفيان» بالجزائر)، من دون إشارة إلى عمره، وفوجئ فرزات بنشره بعد أيام على الصفحة الأولى تحت العنوان الرئيسي، لكن اللعبة الطفولية لم تمر هكذا عند المسؤول تحريرياً عن الصحيفة نصوح بابيل فخاطبه في رسالة كشخص كبير: «نأمل حضوركم إلى دمشق للتعامل معكم في إطار الكاريكاتور»، لم يتعامل فرزات مع الردود يوماً بل كان يرسم من دون خلفية لما يفكر به الآخرون، وهو بالطبع لم يذهب آنذاك، لأنه أدرك حجم مفاجأة بابيل برؤية طفلٍ. ما يفْعله فرزات في أعماله شيء يشبه ذاك الكاريكاتور عن شخصيتين تتواجهان، إحداهما تلف رأسها بسلسلة حديد وقفل، والأخرى تقدم للأولى المفتاح لفك القيد، يمكن للشخصية الأولى أن ترفض أو تأخذ ما يطلق سراحها، ويمكنك أن تفهم أنك مكان من يقدم المفتاح، أو في جهة من يضع قفلاً ليغلق رأسه عن أيّة حرية وتطور، وقد ترى أنك في المنتصف بيْنهما.