يرصد كتاب «فتنة القول بتعليم البنات» لمؤلفه الأستاذ عبدالله الوشمي، تاريخ القرار الملكي للملك سعود - رحمه الله - بفتح مدارس للبنات عام 1960، وقيام شريحة من المعارضين بالاحتجاج على هذا القرار. قالوا إن «هذه المدارس ظاهرها الرحمة وباطنها البلاء ونهايتها السفور والفجور». آخر قال: «هم يحاولون إخراج البنات من أكنانهن ليكشفوا حجابهن وليتمكنوا من التمتع بهن». وحين تعهدت الحكومة للناس بأن يدّرس البنات معلمات صالحات من سورية ومصر، قالوا عنهن «بل إن الصالحات منهن سافرات مائلات مميلات». تحول الخطاب المؤدلج إلى خطاب خرافي - كما يقول الوشمي في كتابه. حرب من الكلام شنتها شريحة من المعارضين، معظمهم من مدينة واحدة هي بريدة، وقليل منهم في الزلفي، لكن هذه الشريحة غلب صوتها أصوات الناس كلهم، وجعلوا من مخاوفهم وقلقهم غير المبرر ذريعة لإقلاق مجتمع كامل ومحاربة مشروع ما كان بالإمكان محاربته. ليس صحيحاً أن الناس في المجتمع السعودي آنذاك كانوا يعارضون تعليم المرأة، فالناس أنفسهم هم من دخلوا على الملك سعود رحمه الله، وطلبوا منه أن يفتح مدارسَ لبناتهم لأن مدرستين افتُتِحتا عام 1955 لفئة خاصة من البنات هما مبرة الملك عبدالعزيز ومبرة الكريمات، لا تكفيان بناتهم. رد عليهم الملك سعود: لكن المشايخ معارضون. فطلب الأهالي أن يجمعهم مع المشايخ، وبعد أخذ ورد بين معارض ومؤيد انتهى الرأي إلى أن التعليم حلال، فأصدر الملك سعود المرسوم الملكي الذي يقضي بإنشاء مدارس للبنات عام 1960. حاول بعض الغوغاء من المتشددين الوقوف في وجه القرار فكان الرد عليهم هو: «أننا لن نرسل شرطة لإجبار الناس على إلحاق بناتهم فيها، والذي لا يريد لن نلزمه لمن يرغبها، وأنتم غير ملزمين بإدخال بناتكم في هذه المدارس والمسألة اختيارية». سافر المحتجون من بريدة إلى الرياض ليحتجوا على القرار مرتين، ولم يفلحوا، وقد كان الملك سعود مسافراً ذلك الوقت، فرد عليهم الملك فيصل بقوله: «أنه لا يُمنع من أتى ولا يُدعَى إليها من أباها». الأهم من كل هذا أن الأقوال التي ألفت حول معارضة تعليم البنات وقتها، هي نفسها التي تقرأها اليوم عن «سواقة المرأة»، وأنت تقرأ الكتاب ما عليك سوى أن تضع بدلاً من «تعليم البنات سواقة المرأة» لتجد كم تتشابه الأقوال والمبرارت، وها هي الأعوام تلو الأعوام، وأصبحت النساء معلمات وطبيبات ووكيلات وزارة ومستشارات. وتأكد المجتمع أن المخاوف القديمة لم تسفر عن كونها وساوس قهرية تعود لذهنية التشدد والتطرف في التفكير، وهي ظاهرة مرضية لا يصلح معها الحوار بل العلاج النفسي. من الطبيعي أن يخرج مثل هذا القلق والخوف في عام 1960 حيث كان الناس في ذلك الوقت أميين ومعزولين عن العالم، من الطبيعي أن يحدث هذه التضخم في تمجيد الذات الفاضلة، والتشكيك في فضيلة الآخرين، لكن ما ليس مبرراً أن يعود السيناريو نفسه في قضية قيادة المرأة السيارة، وأن نبقى ندور في الحلقة ذاتها بعد 80 عاماً من قيام الدولة، وافتتاح الجامعات وإرسال البعثات وبعد أن أصبح المواطن والمواطنة على تماس كامل مع عالم تقدم أمامه في حيازة العلم والتقنية والتحضر. هل هي أزمة ثقة مع النفس أم مع العالم؟! ماذا تمخض عن تعليمنا وتثقيفنا إن كانت المنهجية في التفكير، والقلق من الجديد ومحاصرة النساء بالشك، وجعل حقوقهن محل نزاع وخلاف هي ذاتها؟ ولماذا تتأخر الجملة الحاسمة «لا يُمنع من أتى ولا يُدعى إليها من أباها». [email protected]