بعد تجارب كثيرة من أعمال تركية وهندية ومن قبلها مكسيكية وفنزويلية مدبلجة للعربية يتوقف المشاهد بإعجاب واهتمام أمام المسلسل الكرواتي المدبلج باللهجة السورية «نوران» لأسباب تتعلق بالجانبين الفني والفكري معاً. «نوران» يقدم أحداثاً واقعية من مرحلة الحرب التي عاشتها كرواتيا مطلع تسعينات القرن العشرين من خلال حياة بطلته الفتاة الشابة ابنة العائلة الغنية، التي تترك حياة الرفاهية والترف وتذهب بأرض المعركة بحثاً عن حبيبها «مارو» الذي يقاتل دفاعاً عن بلده. ما يلفت في «نوران» (تعرضه قناة «زي ألوان») بنائيته الفنية العالية، التي تذكرنا الى حدٍ بعيد بالسينما الروسية. دراما واقعية تقوم على استقصاء حدثها بتفاصيله وجزئياته الصغيرة باهتمام بالغ لا يترك مجالاً للزوائد والإطالات التي نراها عادة في الأعمال الدرامية، خصوصاً تلك التي تتكون من حلقات كثيرة. الدراما في «نوران» بنية روائية لعلاقات اجتماعية وإنسانية تنجح في تصوير ألم الناس ومصاعب حياتهم، وما يواجهونه من عذابات ظروفهم القاسية في جحيم الحرب وأخطارها. علاقات اجتماعية شائكة ومثقلة بواقع باهظ تضع الحب على صفيح ساخن، وتدفعه لمواجهة مكابدات يومية قاسية لا يستطيع الهروب منها ولا يقدر في الوقت ذاته على مواجهتها بسهولة. لافت في «نوران» نجاح الدبلجة الى اللهجة السورية، خصوصاً بصوت بطلي العمل «نوران» (لورا أبو أسعد) و»مارو» (حسام سكاف) في تحقيق «تعايش» حقيقي بين العمل وأبطاله وأحداثه وبين المشاهدين. فنحن أمام مشاهدة تلفزيونية فيها الكثير من عناصر الألفة والحميمية التي لا نعثر عليها في أعمال موجة الدبلجة التي انتشرت خلال ما يزيد عن عقدين وكانت– غالباً – موجات عابرة لا تترك أثراً عميقاً في الذاكرة. المسألة المهمة الأخرى التي تفرض نفسها هنا هي تعدد اللهجات العربية لأعمال درامية مختلفة، ما يجعلنا نلحظ تنافراً سببه حضور الممثلين من خلال أكثر من لهجة محلية عربية ما ينتقص قليلاً من صدقية المشاهدة وواقعيتها. التجربة السورية في الدبلجة هي الأغزر، لهذا السبب بالذات تبدو لنا الأكثر التصاقاً في أذهاننا بالأعمال الدرامية المدبلجة. والمسألة تبدو لنا بالغة الأهمية بسبب أننا نتحدث عن دبلجات باللهجات المحلية، التي من البديهي أن ترتبط بالدراما في ذهن المشاهد، وتجعله لا ينسجم بسهولة مع أية لهجة أخرى، ولهذا السبب أيضاً يبدو مسلسل «نوران» عملاً يروق للمشاهد ويمنحه المتعة.