بلغ الاهتراء في المؤسسات اللبنانية الرسمية نتيجة الفراغ الحكومي والانقسام السياسي في البلاد وداخل حكومة تصريف الأعمال وفي قلب وزارة الاتصالات حد التنازع العلني بين وزارات الدولة ودرجة المواجهة الميدانية بين وزير الاتصالات شربل نحاس والمديرية العامة لقوى الأمن الداخلي حول شرعية تفكيك معدات من أحد مباني الوزارة لنقلها الى مكان آخر، ما أدى الى استقالة وزير الداخلية المستقيل اصلاً، زياد بارود من مهماته في تصريف أعمال الوزارة، ليتولاها بالوكالة نائب رئيس الحكومة وزير الدفاع الياس المر بعد إشكال وقع أمس في مبنى تابع للاتصالات. ونتيجة لتراكم الصراع على النفوذ في وزارة الاتصالات منذ ما قبل استقالة الحكومة، قصد الوزير نحاس قبل ظهر أمس المبنى، الذي يضم غرفة التعقب والتحكم (التي يجرى فيها التنصت أو تعقب المخابرات الهاتفية وفق آلية قانونية)، لدخول غرف توجد فيها معدات فنية مخصصة لتشغيل شبكة ثالثة للهاتف الخليوي، تردد انه أراد تفكيكها لتسليمها الى شركة خاصة، إلا أن المدير العام للاستثمار في الوزارة عبدالمنعم يوسف كان استبق ذلك قبل أيام بالطلب الى قوى الأمن الداخلي تأمين وحدة حراسة على المبنى لأن قرار نحاس نقل المعدات مخالف لقرار متخذ في مجلس الوزراء. وكانت القوى الأمنية منعت موظفين أرسلهم نحاس من دخول الغرفة التي توجد فيها. واصطحب نحاس أمس كاميرات 3 محطات تلفزة هي «أو تي في» التابعة ل «التيار الوطني الحر»، و «المنار» التابعة ل «حزب الله» و «نيو تي في»، فأبلغه ضابط الحراسة ان أوامره تقضي بمنع دخول الموظفين وأنه يمكنه هو الدخول الى الغرفة حيث التجهيزات. وجرى الحوار بينه وبين الضابط بوجود الكاميرات. وعقد نحاس على الأثر مؤتمراً صحافياً أشار فيه الى ان الإشكال بدأ الجمعة الماضي وأن وزير الداخلية بارود لم يكن على علم بوجود القوى الأمنية وأنه طلب إليه سحبها وروى فيه كيف انتقل الى المبنى المذكور، واتهم شعبة المعلومات في قوى الأمن الداخلي بأنها تقوم بانقلاب. وأعلن انه طلب من الجيش اللبناني «إخلاء العناصر المتمردة». وقال: «أنا من يقرر في وزارتي ما يجب ان يحصل ومديرية قوى الأمن دخلت الى المبنى من دون مسوغ شرعي». ورد المدير العام لقوى الأمن الداخلي اللواء أشرف ريفي على كلام نحاس مؤكداً أن مؤسسة «أوجيرو» المكلفة من مجلس الوزراء صيانة الشبكة الثالثة للخليوي طلبت الحراسة حول معداتها لأن نحاس يريد تفكيكها فلجأ الى هذه «الهمروجة ولا هو ولا غيره يستطيع إرباكنا». واتهم نحاس «بالسعي لافتعال إشكال بين قوى الأمن والجيش وليذهب الى لعب اللعبة مع سواي». كما أعلن اللواء ريفي ان نحاس لا يعطي فرع المعلومات «داتا» الاتصالات التي تطلبها (لتعقب مخابرات لأسباب أمنية) من اجل ملاحقة قضية خطف الأستونيين السبعة. واستدعت التطورات في هذه القضية التي شغلت الوسطين الرسمي والسياسي اتصالات على أعلى المستويات، فاتصل رئيس الجمهورية ميشال سليمان برئيس حكومة تصريف الأعمال سعد الحريري وباللواء ريفي ليطلب سحب قوى الأمن من مبنى الاتصالات، بعدما طلب بارود ذلك. وعقد بارود مؤتمراً صحافياً قال فيه انه لا يرغب في ان يكون شاهد زور. وأضاف: «وأرفض ان أكون وزيراً سلطته على بعض المديريات التابعة له مجرد نص قانوني معطل وأرفض تكريس سوابق تسمح لأي كان بأن يسقط صلاحية الوزير»، وأكد انه حرر نفسه من أن يكون اسيراً لهذا الموقع. وفيما هاجم نواب، من «تكتل التغيير والإصلاح» الذي ينتمي إليه نحاس، الرئيس سليمان بحجة انه لم يتدخل لتغطية بارود أكدت أوساط الرئاسة انه لم يتخلَّ عن بارود وأعطى أوامره للواء ريفي من اجل سحب القوة الأمنية من مبنى الاتصالات. وصدر عن رئاسة الجمهورية ليلاً نبأ أشار الى ان سليمان أجرى اتصالاً بوزير العدل ابراهيم نجار وتشاور معه «في إمكان وضع النيابة العامة التمييزية يدها على القضية التي حصلت اليوم والمتعلقة بعدم تنفيذ قوى الأمن الداخلي قرار وزير الداخلية القاضي بسحب عناصر قوى الأمن الموجودة في مبنى وزارة الاتصالات». وكانت قناة «المنار» أشارت الى وجود مخاوف من إخراج وثائق من مبنى الاتصالات.