يتناول الكتاب الشهري لمركز المسبار «مرجعيات العقل الإرهابي: المصادر والأفكار» (الكتاب الثلاثون بعد المئة) مصادر نظرية يستند إليها «الجهاديون المتطرفون» و«التنظيمات الإرهابية» و«السلفية الجهادية» لإضفاء المشروعية المزعومة لعنفهم ضد المجتمع والدولة، ساعياً إلى تتبع المسارات التاريخية لنضوج الأيديولوجيات الجهادية على مستوى التنظير والتأصيل والتأثر، على اعتبار أن الفهم العام الذي يحاول تفسير ظاهرة «العنف الإسلاموي» لا بد له من استحضار الرموز والأطر العقائدية التراثية والحديثة، لتحديد القوالب النظرية التي ينهض عليها الخطاب السلفي الجهادي. ويرى الباحث المغربي في الفلسفة والفكر الإسلامي رشيد إيهُوم، في دراسته أن العنف الذي يُمارس اليوم، والذي يُعتبر سمة من سمات العقود الأخيرة التي يمر بها العالمان العربي والإسلامي؛ يعبر عن أزمة حضارية بدأت بوادرها ترتسم في شرايين هذه الحضارة منذ سقوط الخلافة العباسية في بغداد بعد الغزو المغولي سنة 1258م، والتي أعلنت بعد ذلك عن انتهاء العصر الذهبي في الإسلام، وبداية التراجع الحضاري للمسلمين، مقابل النهوض الغربي، الذي أسّس للحداثة الكونية. ويعتقد إيهُوم أن أهمية العرض التاريخي تكمن في النظر إلى السياق العام الذي يُؤطر ظاهرة العنف الديني كما نلاحظها اليوم، لذلك فإن أي فهم لهذه الظاهرة لا بد له من استحضار مجموعة من المعطيات والمحددات التي تتضافر لكي تنتج هذا العنف الذي يمس من جهة الفكر السلفي، باعتباره المشتل الذي نبتت فيه فكرة «الجهاد»، كما يمس من جهة أخرى صميم الدين الإسلامي، الذي تحول في مخيال الغربيين إلى دين عنف وقتل، وهو ما يفرض على المسلمين إعادة النظر في دينهم وفي واقعهم الحضاري والسياسي، من أجل النهوض وتجاوز التأخر التاريخي. فيما تطرق الباحث المغربي عثمان بلغريسي، في بحثه المشارك في الكتاب، إلى أن شخصية حسن البنا المنظِّر الأول لجماعة الإخوان المسلمين 1928. حيث تثير شخصيته انقساماً بين منتقديه وأتباعه أو أنصار المشروع الإسلامي الحركي بشكل عام، والمشروع الإخواني بشكل خاص، فهو الشيخ المسلح كما يصفه بعض نقاده، والمجاهد بالسياسة والقتال كما يراه بعض أنصاره. وأنه يمكن التعامل مع حسن البنا، باعتباره أحد المنظرين للتطرف، وتحمله مسؤولية مباشرة عن العنف الموجود في العالم. إن إنتاجات حسن البنا عبارة عن تعليمات مستخلصة من رؤيته للتراث الإسلامي وفق منهج أصولي، تؤطر نظرة مريدي جماعته في جميع مناحي الحياة؛ «الإسلام نظام شامل يتناول مظاهر الحياة جميعاً، فهو دين ووطن أو حكومة وأمة، وهو جهاد ودعوة أو جيش وفكرة»، وانبثق هذا التنظيم الذي أسسه البنا من دعوة تبتغي السيطرة على إدارة السلطة في المجتمع، فهو يعتبر «الحكومة الإسلامية صالحة ما كان أعضاؤها مسلمين مؤدين لفرائض الإسلام غير مجاهرين بعصيان، وكانت منفذة لأحكام الإسلام وتعاليمه». لم يترك حسن البنا ملامح فكر سياسي متكامل، خصوصاً أن محاولته لإعادة إحياء عناصر المثالية السياسية الإسلامية المتعلقة بالدولة، انتهت إلى إنتاج خطاب سياسي عام، وبدون تفاصيل كما نعاينها في النصوص الدستورية على سبيل المثال، وقد ساعدت هذه العمومية على اتساع دائرة الجماعة وأنصارها. في حين استلهم ميراث السلفيين الإصلاحيين الذين سبقوه، سواءً فيما يتعلق بالحفاظ على الهوية الإسلامية، أو الإصلاح الداخلي، أو العلاقة مع الغرب. وفي سياق متصل، يرى الباحث المصري المتخصص في الحركات الإسلامية، مصطفى زهران، أن طروحات سيد قطب الفكرية وامتداداتها، ظلت تمثل إشكالية كبرى وسط الحالة الإسلامية المعاصرة بشقّيها الحركي السياسي والراديكالي الجهادي المتطرف، وطالت أقلام الانتقاد سيد قطب باعتباره المسؤول الأول عن تحولات شهدتها التجربة الإسلامية في العقود الأخيرة من القرن الماضي، خصوصاً بعد أن سعت تلك الجماعات الجهادية نحو إخراج أفكار سيد قطب من الحالة التنظيرية إلى واقع عملي عبرت عنه تشكلات وتمظهرات الحالة الجهادية المعاصرة بكل أنواعها، بداية من أطوارها التكوينية الأولى مروراً بتنظيم القاعدة وانتهاءً مع آخر نسخها الراديكالية الحالية ممثلة بتنظيم «داعش»، وما رافقها من انتقال من الجماعة الجهادية إلى ما يدعى أنه الدولة. ويبحث زهران في تلك الإشكالية وما يدور في فلكها، وحجم التقاطع الفكري الذي برز خلال تحولات التيار الجهادي وتوثباته من الإطار المحلي إلى الإقليمي خصوصاً في ثوبه المعولم؛ فضلاً عن تبيان حجم التفاعل معها ودرجات التأثير والتأثر، فيما يخلص العمل من خلال عرض لأهم المحطات الفكرية والميدانية لمسيرة ذلك التفاعل وما صرّحت به قيادات «جهادية» متنوعة، عن مدى العلائق وحجم الانسجام الذي أبدته تلك التيارات وتوظيفها لأفكار سيد قطب في إطار مشروعها «الجهادي» بما أتاح لها صبغة شرعية على آلياتها في مواجهة العالم من حولها، خصوصاً الغربي منه وتحديداً الولاياتالمتحدة الأميركية.