في غمرة تزاحم أخبار الثورات العربية وتصاعدها، تغدو المآسي الإنسانية اليومية التي تتخللها هذه الأخبار مجرد تفاصيل، عادة ما تُهمل وسط التركيز على أحاديث السياسة وتحاليلها والسرديات السلطوية المضحكة المبكية عن «المؤامرة» و»الخونة» و»الجرذان». في خضم هذا المشهد المأسوي، بثت قناة «العربية» حلقة من برنامج «مهمة خاصة» تحت عنوان «على قارعة الحرب»، أدارتها غنوة يتيم وأعدها جورج ناصيف على الحدود السورية - اللبنانية في منطقة وادي خالد المتاخمة لبلدتي تلكلخ والعريضة السوريتين لرصد واقع مئات النازحين السوريين ممن عبروا إلى الجانب اللبناني من الحدود تاركين وراءهم أهلهم وبيوتهم وكل ما يملكون. وكما هي الحال في مشاهد النزوح واللجوء على الحدود، بدا المشهد قاسياً إلى أبعد مدى على رغم طبيعة المنطقة الخلابة: أطفال ونساء وشيوخ هائمون على وجوههم فروا من وطنهم إلى المجهول، وهل ثمة ما هو أقسى، بالمعنى الوجودي، من أن يترك المرء وراءه ذكرياته بحلوها ومرها؟ الكاميرا كانت حاضرة لرصد المعاناة المستجدة. تفحصت الوجوه. نقلت الخوف. قالت اكثر مما يمكن أن تقوله الكلمات. غنوة يتيم بدورها لم تتمالك دموعها. بدا تأثرها واضحاً عندما أصيب احد النازحين من المعوقين ذهنياً بنوبة هستيريا حزناً وقلقاً على والدته الطاعنة في السن التي تركها في تلكلخ المحاصرة بالدبابات التي بدت جلية عبر عدسة «مهمة خاصة». وعلى رغم إعاقته الذهنية إلا أن التأثر والأسى وإدراك هول المأساة التي يعيشها هو ومن نزح معه من أهل بلدته بدت واضحة على قسمات وجهه وتعابيره التي يمكن القول إنها اختزلت معاناة كاملة. مرة أخرى، تنتصر الشاشة لقضايا الإنسان.