هل أخفقنا اجتماعياً في تربية أبنائنا وإخوتنا الشباب، هل أخفقنا لهذه الدرجة في التعامل مع قضية بسيطة لا تعدو أن تكون من بديهيات الحراك اليومي لدى البشر؟ بل هي من بديهيات استعمار بني آدم للأرض، عندما ركبت المرأة بغلتها وحمارها، ثم اخترع الإنسان العربة التي تجرها الخيول إلى أن وصل إلى السيارة، كيف يقبل مجتمع دولته هي إحدى الدول ال20 الكبار، في العالم، والأكثر تأثيراص في اقتصاده، هذا العالم المتمدن المتحضر، الذي أزعجناه في كل مناسبة أننا من علمه التحضر، من علمه الإنسانية، من علمه احترام المرأة، وإعطائها حقوقها. 70 عاماً وأكثر من التعليم المنتظم، و50 عاماً وأكثر من الإعلام المتدفق اليومي، تحمل وبكثير من التكثيف، قيم الفضيلة، والأخلاق الحميدة في كل حروفه وفواصله، وقصص لا تحصى عن حضارتنا ورعيتنا للمرأة، وإعطائها حقوقها غير منقوصة ولا مسلوبة. كيف فشلنا في تربية أبناء يريدون أن يعالجوا قضية أمهاتهم وأخواتهم وبناتهم «بالعقال»، رفضاً منهم لتفكيرها فقط في قيادة سيارتها، إلى هذه الدرجة وصل بنا الإخفاق، إلى الدرجة التي يريد أبناؤنا معالجة قضية حقوقية اجتماعية بالضرب والسحل في الشوارع. 50 مليون خطبة استمع إليها السعوديون طوال 20 عاما فقط، لم لم تجعلهم أكثر حلماً، وأكثر تفهماً، وأكثر ليناً مع نسائهم؟ حملة من «البلطجة» يقودها شباب سعوديون تربوا لدى أمهات، ولعبوا مع أخوات، وقبلوا جبين عماتهم وخالتهم وجداتهم، وأخيراً يريدون أن يجلدوهن في الشوارع، فقط لأن أولئك النساء فكرن «فقط» في قيادة السيارة. أين كل تلك الشعارات الرنانة، أين كل تلك الوصايا النبوية للرفق بالنساء وإكرامهن وإغراقهن بالحب والحنان، من أطلق العنان لذلك «الوحش الذكوري» في مجتمعنا اليوم، الذي يريد معالجة قضاياه بالدم والإرهاب، انه توحش الشباب تجاه قضايا النساء، وقضايا التمدن. أنا أطالب الجميع بالاعتذار وعاظاً وتعليماً وإعلاماً، عن هذا التردي الاجتماعي والأخلاقي في معالجة قضية قيادة النساء، هذا التردي الذي ينذر بعواقب مفجعة، ومرهقة لمجتمع مقبل على كثير من التحديات الأعمق والأصعب، مجتمع يريد أن يعالج قضاياه بالحكمة والحوار، لا بالعقال والسوط اليوم وربما بالسلاح غداً، أطالب أولائك الذين حرضوا المجتمع، ودجّنوه طوال الثمانينات والتسعينات ضد نفسه وأهله، ليخرج لنا اليوم معبأ مليئا بنتوءات وتشويهات الذكورة، أولائك الذين كفروا وفسقوا واتهموا أهل بلدهم بالشيوعية والإلحاد واليسارية والحداثة. وهاهم الآن يطلون علينا في «تويتر» والفضائيات والصحف، يقدمون خطاباً مموهاً ليس له لون ولا طعم ولا رائحة، خطاب مزيف يتناسى ما خطته أفواههم في عقول ووجدان الشباب طوال تلك الفترة، لنحصد نتائجها اليوم. أطالبهم بالوقوف أمام منتجهم «غير السوي»، الذي يريد أن يغرقنا في حرب العقل والأيادي، هل هكذا ربوا مئات الآلاف من الشباب الذين حضروا محاضراتهم والذين تدربوا في مخيماتهم الدعوية والذين استمعوا لخطبهم وأشرطتهم النارية؟ أين مؤسسات الحوار الوطني، التي تعمل منذ 10 سنوات من هذا الإخفاق؟ أكاد أجزم أن مؤسسة الحوار الوطني في حاجة ماسة وعاجلة لدراسة هذه الحالة، وتفعيل دورها المأمول في تأصيل فكر الحوار بين كل الأطياف بدون عقل ولا ضرب ولا تهديد. والغوص عميقا في القضايا الحساسة والتوصية بمعالجتها بشكل حقوقي وفوري. [email protected]