عودة إلى ما سبق أن استعرضته في مفالتي المنشورة يوم الخميس 18/4/1426ه عن (تقييم حرية المرأة في الشرق الأوسط) والمستمد من الدراسة التي أعدتها مؤسسة بيت الحرية عن تقييم منزلة المرأة في الشرق الأوسط وشمال أفريقيا وتحديد مصادر وتبعات الفجوة العميقة بين الجنسين وبالتالي تقديم التوصيات. وكما تم استعراضه من نقاط في تلك المقالة فإن من النقاط المتبقية من تلك العقبات التي تحول دون حصول النساء على حقوقهن القانونية والمدنية والسياسية والاقتصادية والاجتماعية نجد عقبة (التمييز في قانون الأسرة الذي يضعها في منزلة أقل من الرجل) حيث إن المرأة في جميع دول الشرق الأوسط وشمال أفريقيا تقريباً تواجه تمييزاً قائماً على النوع الاجتماعي في قوانين الأسرة، وباستثناء المغرب وتونس - كما يقول التقرير - تحتل المرأة في قوانين الأسرة منزلة أدنى في إطار الزواج والحياة الأسرية ويحظى الزوج بالسلطة على حق زوجته في العمل والسفر ويستطيع أن يطلق زوجته في أي وقت من الأوقات دون أي سبب وبدون الحاجة إلى اللجوء إلى المحاكم ويتطلب القانون من المرأة أن تفي بشروط محددة من أجل المطالبة بالطلاق من خلال المحاكم. هذه النقطة توضح الخلط الكبير في فهم حدوث الطلاق وإجراءاته وكيف يرغبون في أن تكون في تشابه تام مع إجراءات الطلاق في النموذج الغربي.. هذا لا يعني أن ممارسة الطلاق في عالمنا العربي والإسلامي يشوبها الكثير من اللامبالاة والقسوة بل واعتباره أحياناً سلاحاً في يد (الحماة) تهدد به زوجة ابنها.. وهذا لا يعني أيضاً أن جميع من يطلق من الرجال هم قساة ولا يفهمون ولا ان كل المطلقات بريئات أو على العكس.. ولابد أن نعترف أن هناك إجحافاً في حقوق بعض النساء اللاتي يعانين من قسوة الأزواج وهجرهن وعدم الصرف عليهن وأيضاً الامتناع عن طلاقهن وحتى عند حدوث الطلاق يحرمن من رؤية أبنائهن والمحاكم تزخر بهذه القضايا.. ولكن نحن المسلمات نرغب أن يكون (التصحيح) وفقاً لشريعتنا الإسلامية وليس وفقاً للنموذج الغربي الذي لم يحقق نجاحاً للنساء في الغرب حتى يتم تصديره إلى عالمنا العربي كأنه (خردة للسيارات)!! كما أن القضية كما سبق وأن وضحتها في مقالتي السابقة انها لا ترتبط بالدرجة الأولى بأفضلية الذكور - كما يقولون عنهم - .. على النساء.. بل هي (قضية طبقية) في صالح من لهم السلطة والثروة رجالاً ونساءً وضد من يفتقدونها رجالاً ونساءً.. ولهذا فالعلاج يبدأ من إزالة هذه الفجوة الطبقية بالدرجة الأولى ثم علاج ما يصدر من إجحاف بحق النساء بعد ذلك.. لأنهن في الحالين الشريحة الأكثر تضرراً.. حتى في عالم الغرب الذي يدعي مساواة النساء بالرجال.. لا تزال النساء تعاني من العنف الأسري ومن هروب أزواجهن بل من يرتبطن معهم بعلاقات غير شرعية وينجبن منهم ويعشن معهم في منزل واحد.. ثم فجأة يغادرون المنازل ويتركون هؤلاء النسوة يواجهن هذه المشكلات وحدهن.. بالطبع هناك قوانين لديهن ولكنها وضعية من صنع البشر ولهذا أخفقت في ايجاد الحلول الجذرية لهذه المشكلات.. فما بني على الخطأ هو خطأ.. ولست هنا لأناقش قضايا نساء الغرب فتلك قضاياهن.. ولكن أردت التأكيد على أن معالجة قضايا النساء في الشرق الأوسط وشمال أفريقيا كما يقولون لابد أن تتم وفق المرجعية الصحيحة لجذورها وحلول مشكلاتها.. ٭٭ آخر عقبة نوقشت في هذا التقرير هي: عقبة (الافتقار إلى آليات الشكوى).. وذكر أنه بخلاف مصر فإن حكومات هذه الدول لا توفر آليات تتقدم المرأة من خلالها بالشكوى ضد التمييز بين الجنسين. ومرة أخرى أعيد استغرابي كيف حدث هذا في بقية الدول العربية والخليجية وهن الأسبق في خلع الحجاب وآلية الاختلاط في مواقع العمل والدراسة وتحقيق ما يقال إنه (التحرر) ولم تحرم المرأة هناك من الحصول على رخصة قيادة السيارة التي أصبحت قضية!! والتي يتم من خلالها تسطيح قضايا النساء الشرعية والتعليمية والعملية والقانونية.. كيف توفر لجميع هؤلاء النساء في جميع دول الشرق الأوسط وشمال أفريقيا بخلاف مصر كما يذكر التقرير ان يفتقرن إلى تحديد آليات تتقدم من خلالها النساء للشكوى ضد التمييز ضدهن؟؟ مع بقية الخلل في العقبات التي سبق استعراضها؟ كيف وصلت النساء في معظم هذه الدول إلى مرتبة وزير ومديرة جامعة وسفيرة وعاملة في المحاماة؟؟ وأخفقت أن تعمل على إيجاد هذه الآليات؟؟ ألا يؤكد هذا أن هناك إخفاقاً في المجتمع جميعه وليس فيما يخص النساء فقط؟.. لأن الخروج عن التعاليم الشرعية ليس هو المنقذ من هذا التمييز الذي يحدث.. والحصول على رخصة قيادة للسيارة للمرأة ليس هو عصا موسى التي ستحل مشكلات مجتمع برجاله ونسائه.. ٭٭ ومما ذكر في هذا التقرير عبارة الآنسة وندسور التي تقول فيها: (رغم أن العالم على دراية كافية بأن قضية عدم مساواة المرأة بالرجل تمثل مشكلة رئيسية في الشرق الأوسط وشمال أفريقيا إلا ان هذه الدراسة تلقي الضوء على المصادر والتبعات المتنوعة لهذه القضية وان المرأة تؤدي دوراً أساسياً في تطبيق الديمقراطية في مجتمعات الشرق الأوسط.. ونظراً لتزايد الضغوط من أجل التحول الديمقراطي في المنطقة، ينبغي أن يتم تناول قضايا عدم المساواة بين الجنسين وحقوق المرأة..)!! ومرة أخرى أؤكد أن القضية لا تمس المرأة فقط وحقوقها في العالم العربي، بل هي قضية حقوق المواطن رجلاً وامرأة وخير شاهد ما يحدث حالياً في الشارع العربي من ضرب ومطاردة وسجن واعتقالات للمتظاهرين رغبة في الإصلاح وفي تحقيق الديمقراطية التي أصبحت شعاراً بلا محتوى!! إلا ما يتم تصديره من محتوى بحبر الإدارة الأمريكية!! أما ما قدمه التقرير من توصيات.. فستكون لي معها وقفة أخرى.. (يتبع)