بات معظم الساسة والبيروقراطيين في تركيا يتلفتون حولهم، بعد تعاظم فضيحة الأشرطة الإباحية التي تعصف ب «حزب الحركة القومية»، مطيحة بعشرة من أهم قياداته، خصوصاً أن التحقيقات الأولية تفيد بوقوف شبكة محترفة وراء عمليات زرع الكاميرات السرية وتعقّب الساسة، من أجل كشف الجانب الخفي في حياتهم الشخصية وعلاقاتهم السرية. وفي هذا الإطار، يشهد سوق المحققين السريين إقبالاً ضخماً من الساسة الأتراك الذين يطلبون منهم الكشف على منازلهم ومكاتبهم، للتأكّد من خلوّها من كاميرات تسجيل سرية. وتحظى الشركات الخاصة الإسرائيلية والأميركية بحصة الأسد من هذا الإقبال، كما أوردت صحيفة «خبر ترك» التركية، التي أكدت أن عمليات المسح أدت إلى كشف كاميرات سرية لدى أحد الساسة وبيروقراطي بارز في إحدى الوزارات، تستّرت الصحيفة على اسميهما. في غضون ذلك، أكد النائب المعارض شتين صويصال تلقيه لائحة من ثلاثة آلاف اسم لأبرز الشخصيات السياسية والإعلامية والاقتصادية والبيروقراطية في تركيا، من عسكر وقضاة، جميعهم تحت المراقبة ممّن قال إنها «جهة خفية تشكّل عصابة خطرة، جزء منها في مديرية الأمن العام في أنقرة». ولفت الى أجهزة تجسس وتصوير سري استقدمتها وزارة الداخلية في السنتين الماضيتين، لكنها لم تُوضع في السجلات إلا أخيراً بعد إثارته هذه القضية في البرلمان قبل أربعة شهور، قائلاً: «تلك الأجهزة قد تكون استُخدمت في تعقّب تلك الشخصيات وتسجيل اقوال أو تصرفات فاضحة لها، تُستخدم في الوقت المناسب». واتهم صويصال «حزب العدالة والتنمية» الحاكم، «إما بالتواطؤ مع تلك العصابة، أو التراخي في تتبّعها، لأن كلّ ما قامت به حتى الآن يصبّ في مصلحة الحزب»، لكنه حذر من أن دور الحزب الحاكم آتٍ في هذه الفضيحة. في الوقت ذاته، يرفض النواب القوميون العشرة التعاون مع التحقيق الذي بدأته أجهزة الأمن في شأن تلك التسجيلات السرية ومن يقف وراءها، إذ يفضل هؤلاء التستّر على هويات شريكاتهم في الأشرطة، خصوصاً أن بينهن شخصيات معروفة. واعتبر رئيس الوزراء رجب طيب أردوغان، أن ثمة يداً خفية تسعى الى إعادة ترتيب البيت الداخلي للحزب القومي، كما حدث قبل سنة مع «حزب الشعب الجمهوري»، الذي أطاح شريط فضائحي برئيسه دنيز بايكال، ممهداً لانتخاب رئيس جديد وتجديد جميع كوادر الحزب. لكن ذلك لم يمنع أردوغان وحزبه من الاستفادة من هذه الأشرطة خلال حملاتهما الانتخابية، وانضم إليه وزير الخارجية أحمد داود أوغلو، إذ اعتبر في حملته الانتخابية في قونية، أن على السياسي أن يُظهر وجهه الحقيقي للجمهور، وألا تكون له مغامرات سرية. هذه التصريحات تزيد من اتهامات الحزب القومي للحزب الحاكم، خصوصاً مع تراجع شعبية الأول بسبب هذه الأزمة، لدرجة باتت تهدد احتمالات دخوله البرلمان في الانتخابات الاشتراعية المقررة في 12 حزيران (يونيو) المقبل، علماً بأن كل ما يحدث يصب في خانة الحزب الحاكم، الذي يسعى الى شغل مقاعد القوميين في البرلمان، من أجل الحصول على ثلثي المقاعد، وهي النسبة اللازمة لتعديل الدستور من دون الحاجة الى استفتاء شعبي، اذ يُرجَّح أن يسعى أردوغان الى طرح صيغة نظام حكم رئاسي، وترشحه للرئاسة. ويرى ساسة ومراقبون، أن تركيز أردوغان في حملته الانتخابية على القوميين، إلى درجة تخلِّيه، ولو ظاهرياً، عن القضية الكردية التي نفى وجودها أخيراً، يُظهر حرصه على كسر هذه الحلقة الأضعف في الانتخابات، لكنهم يحذرون في الوقت ذاته من أن طموح أردوغان قد يكلّف تركيا غالياً، إذ إن بقاء القوميين خارج البرلمان واستئناف «حزب العمال الكردستاني» هجماته مجدداً، سيزيد الاحتقان القومي في الشارع.