في الوقت الذي يعايش فيه الناس عهداً زاهراً على مستوى التقنية والتكنولوجيا، إلا أن ثمة فئة تواصل التمسّك بأمر رافقته طويلاً وأحبّت مصاحبته، على رغم ما يواجهه من تحدٍ مشتعل، يمكن أن يؤدي إلى تضاؤله وبالتالي تلاشيه، فهواة جمع الطوابع يقفون وجهاً لوجه أمام كل تلك التحديات، مقدّمين عشقهم لهذه الهواية كدرع أمام سهام التقنية التي تطلّ بين الفينة والأخرى، مؤكدين بأن رضوخ بعض الهواة لها وسقوطهم أمامها، وهجرهم لمن كانت عشيقتهم، لا يعني رضوخ الجميع، فالهواة لا يزالون يواصلون الجمع والتبادل والبيع والشراء، متجاهلين تأثير التقنية على هوايتهم. ولا تبدو تلك العواصف المتوالية التي تهب باستمرار ومن دون توقف، حاملة معها تقنية جديدة لتحل مكان تقنية تقليدية قديمة، قادرة على التأثير إلى حد كبير على إزالة كل ما يتعلق بالطوابع، فهي لم تتجاوز مسألة عملها على صنع نوع من الاهتزاز بها، وإن كانت عملية الاهتزاز المستمرة من شأنها أن تؤدي إلى الاستسلام ورفع الراية البيضاء، لتدخل هذه الهواية تدريجياً في منظومة الذكريات التي كان لها وجود في زمن ما، بدأ مع عام 1840 حينما أصدر مدير البريد البريطاني السير رولاند هيل أول طابع بريدي في العالم، بيد أن وجود الجمعيات والمواقع والصفحات الإلكترونية والأندية والإعلانات المتعلقة بشأن الطوابع، والمتناولة لها من خلال جوانب ومحاور عدة، تشكل صورة من صور استمرار العلاقة التي تجمع عدداً من الأفراد بالطوابع، والرفض التام للابتعاد عنها، إلا في وقت تغيب هي بذاتها عن الحضور، ويتم فيه الإعلان عن وفاتها بعد تجاوزها مرحلة الشيخوخة. هواة جمع الطوابع أخذوا ما يريدون من وجود التقنية وتوافرها، إذ لجأ الكثير منهم إلى البحث عن المزيد من الطوابع لدى أفراد من مختلف دول العالم، سعياً إلى شرائها، بجانب عرض ما لديهم منها، إذ أسهمت التقنية في تحقيق تواصل اجتماعي يشمل نطاق واسع، الأمر الذي تظهر معه في بعض الأحيان، حالة من الانتقاد لهذا الاهتمام الشديد، تصدر ممن لا يعترفون بها كهواية، وإنما يرونها عملاً لا يعدو كونه مضيعة للوقت والمال، من منطلق رؤية تتمثل في أن هذه العملية تقف عند جمع أوراق لا أكثر. حال الصمود الذي تعيشه هذه الهواية، يأتي بارزاً من خلال وجود الجمعية السعودية لهواة الطوابع، التي تعيش عامها ال46 كأول جمعية خليجية تُعنى بهذا الخصوص، إذ شُكلت هذه الجمعية أخيراً، مجلساً جديداً لإدارتها، لمتابعة أنشطتها وفعاليتها، من حيث المشاركة في المعارض والمهرجانات المحلية والدولية، لتحقيق هدف الجمعية المتمثل في تعزيز هواية جمع الطوابع وتنميتها، وتكون المجلس الإداري الجديد من رئيس المجلس عضو مجلس الشورى المهندس أسامة الكردي، ونائب الرئيس صالح السجاء، والمسؤول الإداري مبارك القحطاني، والمسؤول المالي حامد شيخ. ولا يبدو نايف المقرن متخوفاً من انقراض هذه الهواية، على رغم قلة جمهورها في العصر الحالي، فهو يجد أن المنتمين لها يمكنهم العمل على ترسيخ وجودها، حتى وإن تعددت المؤثرات. ويقول: «العاشق الحقيقي لهواية جمع الطوابع لن يدعها ببساطة، لذا لا أجد أن هناك ما يستدعي الخوف من غيابها، لأن العاشقين لها كثر، أما من ابتعدوا عنها وتجاهلوها بعد أن كانوا يحرصون عليها، فأعتقد أنهم مجرد أشخاص أرادوا تجربة هذه الهواية، وسقطوا في أول اختبار لهم في مواجهة التكنولوجيا». في حين يعول إبراهيم المالك كثيراً على الجمعية السعودية لهواة الطوابع، مطالباً إياها بتكثيف جهودها قبل أن تختفي هذه الهواية. ويضيف: «علينا الاعتراف بأن هواية جمع الطوابع تقترب من المغيب، فما نعيشه في هذا الوقت يشكل تهديداً لها، فالمتعاملون بالبريد التقليدي يتضاءلون، ومستوى الوعي بها من الكثير من أفراد المجتمع يبدو ضعيفاً، كونهم لا ينظرون لها كأية هواية أخرى، وبالتالي فإن الجمعية مطالبة بالعمل على كل ذلك».