شهدت الأزمة الليبية أمس تحركات على جبهات سياسية وعسكرية مختلفة، في مؤشر إلى إمكان تحقيق اختراق ما للجمود المسيطر على الأوضاع منذ أسابيع. فقد زار مساعد وزيرة الخارجية الأميركية جيفري فيلتمان مدينة بنغازي حيث التقى قادة المجلس الوطني الانتقالي ليصبح بذلك أرفع مسؤول أميركي يزور «عاصمة» الثوار في شرق ليبيا، وذلك غداة زيارة مماثلة قامت بها وزيرة خارجية الاتحاد الأوروبي كاثرين آشتون. وكررت واشنطن، بمناسبة زيارة فيلتمان، أنه لم يعد هناك من مجال للعقيد معمر القذافي في مستقبل ليبيا وأن عليه أن يرحل. كما كان هذا الموضوع تحديداً في مقدم الموضوعات التي يُفترض أن رئيس المجلس الانتقالي مصطفى عبدالجليل بحث فيها أمس مع القادة الأتراك خلال زيارته الأولى لأنقرة. والموضوع ذاته كان بارزاً بلا شك في المحادثات التي أجراها مساء أمس في موسكو وزيرة الخارجية الروسي سيرغي لافروف مع ممثل الثوار الليبيين مندوب ليبيا الدائم في الأممالمتحدة عبدالرحمن شلقم المفترض أن يكون سمع من المسؤولين الروس تشديدهم على ضرورة الاتفاق على وقف للنار وإعلان هدنة في المعارك. وتزامنت كل هذه التحركات السياسية مع تحركات عسكرية مماثلة، إذ أعلن الثوار أنهم تقدموا من مدينة أجدابيا نحو البريقة في شرق البلاد، وانهم باتوا على بعد 20 كلم فقط من المواقع التي يسيطر عليها جنود القذافي. كما شهدت مدينة مصراتة، شرق طرابلس، مواجهات عنيفة بين الثوار وقوات القذافي التي حاولت التقدم في اتجاه الجبهة الغربية خارج المدينة، بحسب ما قال الثوار. كما شهدت مدن الجبل الغربي قصفاً ومواجهات مسلحة، كما حصل في الزنتان ويفرن. لكن التطور الميداني الأبرز كان تأكيد فرنسا أنها قررت نقل طائرات مروحية قتالية إلى ليبيا، في اشارة الى تصعيد واضح للعمليات العسكرية. ونقلت وكالة «فرانس برس» عن وزير الخارجية الفرنسي الان جوبيه، قوله أمس في بروكسيل، إن فرنسا سترسل المروحيات القتالية لشن ضربات ميدانية «أكثر دقة». وقال جوبيه، على هامش اجتماع مع نظرائه الأوروبيين، إن المروحيات ستسمح «بتكييف أفضل لقدراتنا في القصف الميداني بوسائل اكثر دقة». وأشار إلى أن مشاركة المروحيات القتالية تدخل «تماماً في إطار القرار» الدولي الرقم 1973 والذي سمح باستخدام القوة لحماية المدنيين في ليبيا. وغادرت قبل ايام مدينة تولون الفرنسية على ساحل المتوسط السفينة الحربية «بي بي سي تونير» المخصصة للقصف والقيادة والتي تجمع بين مهمات حاملة مروحيات ومستشفى ونقل جنود ووضع وسائل هجومية برمائية. وبحسب صحيفة «لوفيغارو» الفرنسية، فإن على متن السفينة «تونير» 12 مروحية من الطيران الخفيف في سلاح البر، وقالت إن «المروحيات على متن تونير ستشارك في المعارك» في ليبيا. وفي أنقرة، أجرى عبدالجليل محادثات مع كل من رئيس الوزراء رجب طيب أردوغان ووزير الخارجية أحمد داود أوغلو على أن يجتمع مساء مع الرئيس عبدالله غل. وتناولت اللقاءات «خريطة الطريق» التي اقترحتها تركيا سابقاً من أجل الوصول إلى وقف لاطلاق النار مع طرابلس. وأكدت مصادر ديبلوماسية تركية ل «الحياة» إن ليس لدى تركيا حالياً النية للاعتراف رسمياً بالمجلس الانتقالي الليبي، وأن الجهود يجب أن تنصب على التوصل إلى وقف لاطلاق النار وتشكيل حكومة ليبية تمثّل جميع الليبيين، بمن فيهم العشائر والمجموعات المحسوبة على القذافي. وتُبقي أنقرة على اتصال مع القذافي على رغم مطالبة أردوغان له بداية الشهر بالتنحي، إذ تؤمن بإمكان الوصول إلى حل وسط يقضي بتنحي القذافي، مع بقائه في ليبيا، وترك الحكم لجيل جديد من الليبيين والمعارضة، لكن دون إغلاق الباب على السماح لمقربين منه بالعمل السياسي من جديد من خلال منافسة حزبية سياسية في جو ديموقراطي. وقال وزير الخارجية التركي أحمد داود أوغلو في مؤتمر صحافي مع عبدالجليل إن على القذافي التنحي كي يسمح ببدء عملية انتقال سلمي للحكم. وأضاف: «خلال المرحلة الانتقالية يجب قيام وقف للنار وأن يترك القذافي القيادة». وأضاف أن المجلس الانتقالي «شرعي وممثل يتمتع بالصدقية للشعب الليبي». أما عبدالجليل فقال إن خريطة الطريق التركية للحل تعبّر عن مطالب الشعب الليبي بما في ذلك رحيل القذافي وعائلته. واعتبر «ان مشاركة تركيا البلد المسلم في العمل الذي يقوم به حلف الناتو في ليبيا يؤكد أن ما يحصل ليس حرباً صليبية»، بعكس ما يروّج القذافي.